18 ديسمبر، 2024 9:47 م

رمضـــانُكم هذا العـــام برمضـــائه بعد 33 عـــام..!

رمضـــانُكم هذا العـــام برمضـــائه بعد 33 عـــام..!

إيلافكم يا قريش كلِّ عام، يُقال أنها لكم بإيلاف رحلة الصيف دون الشتاء هذا العام..!
وعلى ذمّة الراوي: إن كان ما تكهن به الفلكي السعودي عبدالرحمن محمد الغامدي ونشرته صحيفة الإتحاد الإماراتية -http://www.alittihad.ae/details.php?id=52652&y=2015- صحيحاً بأن:

·      شمس رمضانكم تغيب متأخراً هذا العام.!

·      وتشرق مبكراً هذا العام.!

·      وتطول فترة صيامكم إلى 15:15 ساعة هذا العام.!

·      وأن درجات حرارة رمضانكم قد تلامس 65 درجة مئوية في الشمس هذا العام.!

·      وتخترق 50 في الظل هذا العام.!

·      وأن جميع دول المنطقة موشكة على الظمأ الّلاهب الرمضاني، إذ ان يوم (21 يونيو 2015) هو يوم الدخول الفعلي لفصل صيف هذا العام.!

 

فذلك يعني نحن برمضاءِ رمضانٍ لم يسبقه هكذا جمراً بالحرارة وطولاً بالنهار منذ 33 عام.!

والمنجّمون مهما صدقوا بالوعد والوعيد فيما مضى وإن كذبوا (والعكس هو الأصح) .. فقد ضعُفوا بهذا الوعيد وذبلوا في ذاتهم  بدل أن يزرعوا الرعب والتخويف في ذوات الآخرين..!

 

إنهم يرسمون منطقة الرعب بجميع (دول المنطقة).! .. ويغفلون انها المنطقة ذاتها المعهودة بلُهب شمس بيت العتيق منذ فجر الإسلام من مكة والمدينة دون خوف من الجوع والظمأ .. فأبنائها لها وبها بالزمزم والتمر يا المنجّمون، ودون أدنى إلتفاتةٍ إلى ما بالقطب المتجمد الشمالي من جليد الآيسلاندك والآيسكيمو والآيسكريم مما أنتم لها ودونها..!

 

الخائفون من صوم هذا العام، هم العاجزون عن فهم الصوم كل عام، وبأن (الصوم) ثقافة و (الجوع)  لغة .. والجار المثقف وإن كان هو زميلك بثقافتك، فليس بالضروة أنه يجيد لغتك وأنت تجيد لغته. وعلينا ان نكتسب اللغة الثانوية المشتركة .. ومما أفهم في لغة الجوع، أننا لانصوم لنتعلم به لغة الجوع الظاهري، قدرما لنتعرف من خلاله على إحساس الجائع الداخلي .. فأبناء المنطقة التي أنعم الله عليهم ثروات أراضيها بينابيع الخيرات تلو الخيرات، أزالت النعم عن الذاكرة معنى الجوع والعطش لذلك البدوي الذي كان يوما، يقطع الوديان والشطئآن جرياً ولهثاً  وراء الماء والكلأ في رحلة الشتاء والصيف، ولن يفهم اليوم لغة الجوع والعطش من التكييف المركزي للقصور والفلل، ولاتغنيه لغة الأسفار بالليموزين والطائرات الى الشام والعراق ما أغنت أجداده يوماً على الناقة والبعير.

 

أنا من جيلٍ لم ألتحق برحلة الشتاء والصيف على النوق والجمال، فتحت عيني في حارة فقيرةٍ مضجوجةٍ بدوىّ أصوات السيارات دون أن أملك سيارة، وكنت أفتخر إذا ركبت سيارة صديق لي او صديق صديق لي، وافتخر أكثر إذا نزلت أمام ربعي من سيارة أجرة، وادفع الأجرة من جيب واحد دون أن افتش بقية الجيوب .. لأني من أبوين فقيرين كانا لايملكان حتى ثمن إطارات السيارات في تلك الأيام، كانا يعملان بشق وعناء ليُعلّماني، يعملان دون ان يطلبا مني “إعمل، إكسب، إربح” بل طلبا مني دائماً “إقرأ” و “إقرأ” .. والوالدة رحمها الله كانت تغسل كندورتي “الدشداشة” وانا انتظر في الظل لتجفّ في الشمس، وهى تقول لي “إقرأ ياولد” وأنا في الشمس و”إقرأ ياولد” وأنا في الظلّ.!

 

ومن قراءاتي في الظلّ والشمس، أن اول يوم صوم في حياتي كان يوم شتاء قارس، وكنت قد بلغت من العمر 11 عاما، وصمته طوعاً لا جبراً، ولم يهاجمني الحر والعطش، ورغم ذلك غلبني الجوع، فلم أنتظر لصوت المدفع، وإنما تسلّلت عيناى قبل غروب الشمس خلسةً نحو قدرٍ يغلي بحبيبات من الفول الأسود خلف المرحومة ماما في غرفة ضيقة متواضعة هى المطبخ وهى الميلس وهى غرفة الطعام وهى غرفة الضيوف، مفروشة بقطع حصير ممزق من سعف النخيل يسكنها الغبار، لكن تسكنها الملائكة.!

 

نعم وأجزم بأنها كانت مسكونة بالملائكة.! .. لأنها لم تكن إلتحقت بتلك الفضائيات الشيطانية للقنوات، ولا المواقع الإباحية للشكبات .. كانت تصبح قبل خيوط الفجر وتمسي بعد غروب الشمس على آيات من الذكر الحكيم بصوت المقرئ المرحوم عبدالباسط عبدالصمد، من جهاز تسجيل صغير كان قد جلبها والدي المرحوم من مكّة المكرمة إيام الملك عبدالعزيز هو يؤدي فريضة الحج لأول مرّة بعد ولادتي بشهرين، وكان يفرضها  الوالد المرحوم علينا يوميا سمعاً وإنصاتاً وهو يردّد: (وإذا قرئ القرآن فأستمعوا له وأنصتوا)

 

إبن 11 عام إن كان في يوم رمضاني شتائي قصير قبل 33عام، هو القاصر العاجز المستسلم أمام حبّة فول أسود .. فإنه اليوم هو ذلك المكلّف القادر على أن يستشفّ الأبيض من الأسود .. وقد إستشفّه بأن الأطول نهاراً والأشدّ حرّاً منذ 33عام  .. يكون هو ذاته الأعظم أجراً والأكرم كرماً برمضان كريم منذ 33عام.
[email protected]