17 نوفمبر، 2024 11:48 م
Search
Close this search box.

رمضان ومفارقاته الغريبة

رمضان ومفارقاته الغريبة

هو شهر الخير والبركة والذي أنزل فيه القرآن وشهر الصوم والطاعة والغفران والأحساس بالفقير والعمل على معونته والتصدي معه لصعوبة عيشته وشحْ أيامه وتلاقي صلة الرحم والتنبيه لمَحبة الأنسان لأخيه الأنسان ومن المفترض أن تسود فيه المودة والرَحمة والخلاص من الذنوب .
إلا أن الموازين كلها أنقلبت بأيامنا هذه .. صار شهر المَوت والفاقة والمَصائب على رقاب غالبية المُسلمين .. بهذا الشهر الفضيل أزداد أعداد القتلى وأزدادت به أعداد الأنفجارات المُبيتة والفتاوي المُلغمة ، الأمر الذي أغرق شوارع مدينتا الآمنة بالدموع والدماء والحزن والنَحيب ، بدل أن يملأه الخير والزاد والتقوى وتتغذى ببركاته بطون الجياع ، بدل أن ينشد الناس والحكام أهلّة السَلام وينشروا الخير والوئام ، أزدادوا شراسة وقتلاً وسرقة وصَلافة ، أزدادَ معه رعب وخوف الأطفال بأحضان أمهاتهم والنساء والشيوخ وبقية خلق الله ، لم يراعوا حُرمة هذا الشهر الفضيل ، فملأوه بالنفاق والرياء والسَرقة ، ابتداءً من السياسي الذي يتنعم بظلال فخامة قصره وحمايته ومنافعه وهو يلوك الصَمت أمام المأساة والسَرقات الخرافية لكرامة وأموال بلاده وشعبه إذا لم يكن هو مشارك فيها ، مثلما التاجر الذي يستغل الناس ويرفع من قيمة بضائعه وسلعه ، كي يضاعف أرباحه بهذه الأيام والتي من المفترض أن تكون مفترجة ومباركة ، بدل أن يخفضوا أسعارهم ويعينوا الفقير على فاقته ومَظلوميته ، بل أخذوا يصرون على رفع أثمانها وإستغلال الناس لحاجتهم المُلحة التي تعتمد عليها مائدة المُسلم البسيطة لأيامه الرَمضانية من البقوليات وغيرها من المواد الغذائية المتيسرة ، مثلما يقوم البعض الآخر برفع أسعار كل شئ من ملبس ومأكل بقدوم أيام عيد الفطر والذي من المفترض أن يفرح بها الفقير ويتخلص من الضَنك الذي عاشه بقية أيام السنة ويعيش بعض أيام من حياته بقليل من سعادة ، عكس ما يفعلونه التجار وأصحاب المَحلات في الغَرب أ اولئك الذي يصفهم الكثيير من المُعممة رؤوسهم وأكتوت جباههم والمغلقة قلوبهم ونفوسهم بالشر والخراب وينعتوهم بالكفار . في عموم أوروبا وعند أقتراب موسم الأعياد والأيام المفترجة يخفض أغلبية التجار والشركات والمَحلات كافة بضائعهم حتى تصل ببعض الأحيان إلى 80 % ليفرح الناس ويتساوى بهذا الغني والفقير ويلبسوا ويتعايشوا ، محاولين بث السعادة بقلوب العامة بغض النظر عن عرقهم أو لونهم أو شكلهم أو دينهم .
أما في بلداننا الأسلامية فهم يتعمدوا لأزادة الفقير فقراً وجوعاً وحرماناً وقهراً وكمداً وجعله ينظر بعين مرهقة دائمة الحرمان والتصارع مع أيامه لأيجاد لقمة عياله وأهله ويتحسر لما يرى من خيرات وثروات بلاده بيد الكثير من المرائيين والسياسين المتاجرين بدمائهم ، بينما تزداد مساحة تكوير كروشهم وأزدياد البذخ والتباهي بحجم موائد فطورهم لتزداد بهذا فيروسات نفوسهم المريضة شهية أكثر وأخذ السُحت والثراء غير المشروع وزيادة طمس حياة وكرامة الفقراء وسحقهم .
ومثلما يوجد التحطيم للكثير من البنى التحتية الأقتصادية والفكرية والأجتماعية ، مانراه بعمل تجار الفن والثقافة من خلال تحطيم البنى التحتية للذوق العام والتعامل الأنساني وأفساد حلاوة اللهحة البغدادبة المَدنية وضياع خصوصيتها وتهميش تأريخها وحصرها في زاوية ميتة ومخيفة تدلل على الطائفية الساذجة التي تبعث بمستقبل أبنائنا لدهاليز مظلمة من خلال أستغلال شهر رمضان بأنتاج الكثير من المواد الأدبية والفنية والمسلسلات ذات الصلاحية المشبوهة ويغرقوا بها السوق ليتحول الشهر من الطاعة والصلاة ومطاوعة الصبر على العطش والجوع طيلة ساعات النهار إلى مرارة المشاهدة للمُسلسلات المنوعة والمُوجهة والمُبرمجة للأستخفاف بذوقه وأخلاقه وزرع الخوف بفلبه وعقله من تشويه ذوق أبنائه وأجياله القادمة ، أبتداءً من السبايكي والرقص والخلاعة التي تميزه عن غيره وصولاً للنفاق السياسي وخلق الفتن من خلال المسلسل الكارتوني ( الريس ) علاوة على برنامج ( ستوديو مقلوبة ) ونكاتهم وأحاديثهم وأسلوبهم ومستواهم الثقافي المتدني والذي يعكس بساطة أذواقهم من خلال أختيارهم للمفردات الرخيصة والنكات والأحداث والفواصل التي تستخف بذوق الفرد العراقي بشكل عام والبغدادي بشكل خاص والتي تنأى عنها مدينة الحضارة والعلم والثقافة والأدب بغداد وحضارتها ومدنيتها وكأنهم يجلسون في أحدى زوايا تلك الشوارع  من الأزمنة الغابرة التي كانت تملأها الشقاوات أو ( الخوشية ) كما يقال عنها في لغة بغداد العامية ، أولئك الناس الذين لا يقترب منهم أحد إلا خاصتهم ، أما الآن فقد عمموها علينا وعلى أبنائنا وعوائلنا ، في الماضي القريب كانت برامج شهر رمضان تحمل بطياتها الأناقة والتأريخ الذي نختار من نفحات خمائله وعبقه الشئ الكثير والتي تبعث بأنفاسنا روح الرَمضانيات الجميلة والحكمة وأستخلاص العبر التي نحن بأمس الحاجة لها لترتب بها أفكارنا المُرهقة التي أتعبتها الحروب والأنتفاضات واللهاث نحو لقمة العيش والتي ببركة هذا الشهر الفضيل وأيامه المباركة .
نحتاج لمراجعة الكثير الكثير من العمل لمواجهة وتغيير أموراتنا الحياتية والأنتفاضة على كل هذه التشويهات الأخلاقية والثقافية والفنية والسياسية الني أوصلتنا لهذا التدهور الكبير ، أرجوا أن نبدأ بتوثيق حبنا لوطننا ومدننا ولغتنا وتراثنا العراقي الجَميل الذي حاولوا ويحاولون أن يطمسوه ويغيبوه ، والأهم من هذا كله أن نبدأ بأنفسنا وقول كلمة حق لكل معتقداتنا الوطنية في وقتها ومكانها وأن نشد على أيدي من يعمل ، اللهم أهدينا وسياسينا ومثقفينا وفنانينا لما به من صلاح وخير لحياتنا ومسنقبل بلدنا ورمضان خير وبركة ومحبة على عموم كل محافظات بلادي وأهله الطيبين ونتمنى لزمننا القادم أن يكون أفضل وأجمل وأقل حدة لهذا الأنحدار والأنزلاق الذي نتمنى أن نوقف ضجيج صرير عجلاته .

أحدث المقالات