23 ديسمبر، 2024 7:03 ص

رمضان وقدسية الصيام في الماضي

رمضان وقدسية الصيام في الماضي

كان شهر رمضان يدخل البيوت ومعه الايمان المطلق وصيام يرافقه عمل ذو مشقة وتعب أحياناً طوال النهار.
كانت الارواح تتحمل الجوع والعطش لإيمانها المطلق بان الصيام لله وليس فيه اي نوع من انواع الرياء..
كانت فرحة قدوم رمضان تعادل فرحة قدوم العيد وكان الناس يعتبرون هذا الشهر الفضيل فرصة عظيمة لمسح ذنوب عام كامل.. وفرصة أيضاً للتسامح بين الناس وتطهير القلوب…
كانت القرية الواحدة يجتمع رجالها وشبابها لتناول وجبة الافطار في احد المنازل من السكان ويكون اول يوم رمضان الفطور في بيت المختار ألذي يبادر الى ذبح احد اغنامه ويدعوا كل ابناء قريته من الرجال الصائمون الى الافطار في بيته وقبل الافطار يقوم بتوزيع التمر عليهم لاعتبارها سنة متبعة لدى اغلب المسلمين..
اما في المنازل فتهتم النساء في رمضان بإعداد افخر انواع الطعام الموجود في البيوت ولكون ذلك الوقت تفتقر اغلب العوائل وشحة في بعض المواد الغذائية فتجدهم دوماً يركزون على المواد القابلة للخزن فالعدس مثلا تجده يتقدم وجبة الافطار اضافة الى الرز وربما بعض مشتقات الحنطة مثل البرغل او الجريش الذين يصنعون منه الكبة محشي باللحم والبصل معه. ولكن كل هذه الاكلات كانت بطرق بدائية بسيطة. عكس ما نتناوله اليوم من المأكولات المطبوخة والمشويات والوجبات السريعة….
لقد كان رمضان شهر مقدس لدى الجميع والمرء يشعر بقدسيته من خلال العبادة المقرونة بكل الوسائل التي تقرب العبد الى ربه. ورغم قلة المساجد في حينها الا ان الانسان كان يعيش وبتعبد على الفطرة السليمة لان جسمه وعقله الظاهر والباطن غير مرتبط او ملوث ربما ببعض وسائل العصرنة الموجودة حالياً…
انني اشاهد اليوم كثرة المصلين في المساجد والصائمون في المنازل ولكنني لم اشاهد رمضان الحقيقي… فأجد اغلب المصلين يؤدي صلاته بعيدا عن الخشوع وافكاره شاردة والصائمون ارى اغلبهم يصومون عن الطعام فقط ولا ارى في الشارع لدى الاغلبية اي قدسية او احترام لهذا الشهر الفضيل فهل اصبحنا نقدس مواقع التواصل الاجتماعي والسهر والنرجيلة وانواع العصائر من شربت الزبيب او البرتقال اكثر من الخوف من الله والتعبد بصمت وخشوع…وهل اصبح رمضان عيد وموسم للموائد العامرة بالقوزي والكباب وانواع الحلويات وليس عيد مساواة بين الفقراء والاغنياء…فاين وصلنا يارمضان ياشهر الطاعة والغفران ونحن نرى ما نرى من عصيان للخالق متعمد ونسمع ما نسمع من كوارث قتل الاب لا بناءه والزوجة لزوجها والعياذ بالله…لقد اصبحت جلساتنا حتى في المساجد للسلام فيما بيننا والتعارف والتقاط الصور بدون اي رادع للنفس وخاصة في شهر الرحمن شهر رمضان..
انني اتذكر جيدا الخال الحاج محمد الفرج رحمه الله في قريتنا في السبعينات عندما يكبر آذان المغرب تجد احدنا يلهث من العطش وتتلوى بطنه من الجوع بسبب ان صيامنا في ذلك الوقت لم يؤخر اويمنع اعمال الحياة الاخرى عكس يومنا هذا وخاصة الشباب السهر طوال الليل يقابله النوم طول ساعات النهار ليجلس وتبدأ طلباتهم من الاهل ماذا اعددتم للفطور. وعلى هذه الحالة دخل رمضان وودعنا من الباب الذي اتى منه دون ان يرى من الصائمون الا الاسم فقط…
كل شيء اختلف ياقريتي العزيزة وانت تعيشين عصر الانترنت ولم تسلم قدسية الشهر الفضيل رمضان من العصرنة المزيفة التي اخذنا قشورها فقط…فسلاماً على رمضان السبعينات مع جوعه وعطشه وعذراً لرمضان الحاضر مع سهرنا وبطرنا…..