في مرحلة الطفولة .. تعودت أن أصوم ، وفي الكبر لم أخالف العادة ، فأنا مؤمن في اعماقي ، ولكن الصيام تحول عندي الى رياضة روحية .. الى امتحان للنفس واختبار لقدرتها على مغالبـة ما أعتبره ترهلاً وترفاً .
عـندما أقبل عليّ رمضان في أول سني إقامتي في الغربة ، صمـتُ كعادتي ، ولكني وجدتُ نفسي وحيداً يتيماً واكتشفت ان الصيام ليس مجرد طقوس دينية أو رياضة روحيه فحسب ، رمضان ايضاً جو وبيئة ويستحيل ان تصوم وانت تسبح خارج هذا الجو الروحي والبيئة الاجتماعية والنفسية .
لايمكن ان تفطر وانت ببغداد مثلاً .. ستجد نفسك خارجاً على المألوف وانت تمشي وحيداً في الشوارع أو الساحات عندما تخلو فجأة من الناس والصخب في ساعة الغروب .. ستشعر بروحانية رمضان وانت تستمع بخشوع في عشرات المساجد الى الصوت الرخيم وهو يرتل القرآن الكريم ، او عندما تطوف في المراقد الدينية وانت تشم رائحة الشواء او ترى ( استكان الشاي ) بعد غياب نهار عنك ، أو ترى ( الحلويات )وتشاهد المقاهي و ( المحيبس ) .
كلنا عرفنا رمضان في الصغر تقاليد وجو وبيئة ، وصمناه قبل ان نعي ونعرف ان الصيام فرض ديني .
كل شيء في بغداد كان يجيبك برمضـان :: مدفـع الافطار ، زيارة الكاظمية .. زيارة الگيلاني وابي حنيفة النعمان … يذكرنا رمضان ب ( الماجـينة ) .. واكلات رمضان الخاصة .. والتوابل والمخللات وانتظار المجالس الشعبية .. والى ان يأتي المسحراتي ( ابو الطبل ) .. لا نتخلى عن ايماننا .. مهما كانت الظروف .. لكن نقول : أيـن سـَحر وروحانية رمضـان ؟!