17 نوفمبر، 2024 12:37 م
Search
Close this search box.

رمضان بين الماضي والحاضر..

رمضان بين الماضي والحاضر..

في هذه المقالة سوف اتكلم عن شهر رمضان المبارك وتقاليد الناس فيه وخاصة عند اوقات قدومه في المنتصف الثاني من القرن الماضي وبالتحديد في قرى منطقة جنوب الموصل وغربها وربما اغلب المناطق الريفية في العراق والبلدان العربية. كان رمضان يمر علينا بنكهته الخاصة مع انتشار الفقر والعوز في الريف لكن طعمه بقدسيته ونكهته الخاصة وفرحة العيد بعده تجعله شهرا مميز في نفوسنا وفي بيوتنا جميعاً…
كنا نحتفل قبل رمضان بأسبوعين بليلة تسمى ليلة
(( المحيا )) والتي تبين لنا فيما بعد انها ليلة المنتصف من شعبان.. كانت تجتمع بنات القرية في احد المنازل وكل واحدة تأتي بطعام مما قسمه الله في منزلها ليقمن مأدبة جماعيه ويتضرعن الى الله سبحانه وتعالى بتحقيق مطالبهن…اما مجتمع الشباب فلهم التعليلة فقط ويقومون بإشعال النيران في فضاء قريب من القرية لقضاء ليلتهم هذه…. يأتي بعد هذه الليلة بأسبوعين تقريباً شهر رمضان الفضيل شهر العبادة والصيام شهر الطاعة والمغفرة.. ورغم ارتفاع درجة الحرارة خاصة عندما تكون اوقاته في شهري تموز وآب جمرة الصيف في بلداننا العربية وانعدام كل وسائل الراحة من ماء بارد او تكييف مركزي..
كانت الحالة السائدة في اول يوم رمضان من كل عام يجتمع كل رجال القرية شيبهم وشبابهم على مائدة افطار جماعية يقيمها احد رموز القرية. وغالبا ما تكون من لحوم احد المواشي كالأغنام او الماعز وبطريقة عمل الهبيط او ما يسمى الآن تشريب…
في ذلك الزمان لا يوجد مساجد في اغلب القرى وكان الافطار يبدأ على صوت آذان احد اهالي القرية والذي يسمونه المله او الحجي ويكون اعتماده في دقة الوقت على غروب الشمس لانعدام وسائل التوقيت كالساعات وغيرها في حينها..
كنا ننتظر امام تلك الگنطرة الطينية لمنزل الحاج الخال محمد الفرج حتى يعلن وقت الافطار من خلال نداء الآذان (( الله اكبر)) ونركض مسرعين الى بيوتنا لكي نجد وجبة الافطار تنتظرنا وكانت اغلبها خالية من الدسومة او الاكلات المميزة في يومنا هذا حيث لا يوجد هناك اي انواع من اللحوم الحمراء اوالبيضاء الا في ايام معدودة اومناسبة خاصة يقيمها اهالي القرية وبشكل معتاد وكما ذكرت سابقاً من خلال عمل فطور جماعي وخاصة عند الميسورين منهم وهنا ربما ناكل اللحوم في مائدة الافطار في رمضان وكان عدد المرات في الشهر الفضيل كله لا يتجاوز اكثر من سبع اوثماني مرات..
.. اما في بيوتنا فكانت وجبة التمن والمرق ملازمة طوال الوقت واحيانا وجبة من الكبة او شوربة عدس واغلب مقبلاتنا مع الفطور التمر فقط فهو الوحيد المتوفر والموجود في بيوتنا ومخزون بحافظة مصنوعة من سعف النخيل وتسمى ((الخصافة))…
كان العطش يلازمنا طوال النهار بسبب عدم وجود الطاقة الكهربائية وبالتالي لا توجد وسائل للتبريد وغيرها. وكان احدنا يتباهى بصيامه عندما يخرج لسانه لنجده ابيض بسبب العطش. ولم نكن نهتم بذلك الجوع والعطش كوننا مؤمنين بقدسية شهر رمضان…ولم تكن هناك كما اسلفت جوامع ومساجد ولذلك لم نعرف صلاة تسمى صلاة التراويح. وعندما ينتهي رمضان يستعد رجال القرية لصلاة العيد في بيت مختار القرية او شيخ العشيرة والذي قام بنحر احد مواشيه من الاغنام لعمل وجبة افطار صباحية لأهل قريته. ولتبدأ احتفالات العيد والتي سوف اتكلم عنها في موضوع منفصل…ولتكملة مقالتي عن رمضان بالأمس واليوم فرمضان اليوم مختلف تماماً ولايشعر الصائم بالجوع والعطش الا من لديه عمل خارج منزله ورغم ان اغلب العراقيين اما متقاعد او عاطل عن العمل وتجده يقضي وقته على الانترنت كمحلل سياسي للأخبار او كاتب وشاعر تصويري… نجد ان السهر طوال ليل رمضان والنوم طوال النهار مع توفر الطاقة الكهربائية وكل وسائل التبريد من المروحة والمبردة والمكيف الاركنديشن والسبلت والتي وصلت الى كل بيوتنا وتجدها في كل دوائرنا الحكومية والاهلية وداخل كل مساجدنا ولم تجد شيء اسمه
(( ألمهفة)) ولم يعد لها دورا بعد اليوم والتي كانت ملازمة لأيادي الرجال الكبار وهي عبارة عن قطعة مصنوعه من سعف النخيل وفيها مقبض من العود السميك نحركها بأيدينا لنجلب النسمة الهوائية…
. نعم انها التكنولوجيا التي غيرت الانسان وحضارته نحو التقدم والازدهار في كل مجالات الحياة..
.واما وجبات الافطار في هذا الزمان فإنها من نعم الله التي لاتعد ولاتحصى فكل انواع اللحوم موجودة ابيضها واحمرها(( طائرها ونطاحها وسباحها)) تجدها يوميا على مائدة الافطار ومعها انواع الخضراوات وانواع الحلويات كالبقلاوة والزلابيا وانواع المشروبات والعصائر كشربت الزبيب والبرتقال وغيرها…
ومع كل هذه النعم نجد اغلب شباب اليوم شباب البوبجي غير راضين ويتأففون على نعمة الله…
نعم من صام وافطر على ماء غير بارد يختلف على من صام وافطر على مثلجات اليوم…
رحمكم الله يا آبائنا وامهاتنا ورحم زمانكم زمان الحرمان زمان كليجة التمر في العيد والمعمولة في تنور الطين محشية من تمر الخصافة بدون جوز او سمسم….
اليوم وبفضل الله مائدة الافطار فيها كل شيء والجوامع تقيم صلاة التراويح بعد صلاة العشاء ويذهب بعدها الشباب الى الكافتيريا للتعليلة مع النركيلة وعلى الماسنجر والفيس بوك. بينما يبقى الكبار في بيوتهم ليقرأو ما تيسر لهم من آيات الذكر الحكيم…ويبقى السؤال ايهما اكثر اجراً وقبولا صيام بمشقة ام صيام براحة تامة والعلم عند الله…
________________
چنت بصيفنا ونعرف نعمتك زين
وأَسع جيل ما يعرف يحمدون
مشغولين دوم بعالم النيت
بعيد الفكر وبگربك بالعيون
اذكر ياوكت ونصوم بالجيش
وبالخوذة العصر ميهم يبردون
بصياني الجرية تجمع شكو صيام
اسع بالمظاهر كلهم يعيشون
راحت ويا اهلها يبن عبوش
صفينا بعالم بكل شي يرگصون
༺༺༺༺༺༺༻༻༻༻༻༻
تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال…وصياما مقبولا وافطارا شهياً…..

أحدث المقالات