رمضان بين الماضي والحاضر – المقالة العاشرة

رمضان بين الماضي والحاضر – المقالة العاشرة

عندما كان يصادف شهر رمضان المبارك في فصل الخريف، كانت فريضة الصيام تبدو سهلة على الصائمين، وذلك للأجواء المعتدلة في مناطقنا بجنوب الموصل، حيث كانت تشبه الأجواء الربيعية.
لم نكن نشعر بالعطش أو الجوع ونحن صائمون. ورغم أننا كنا نعيش في فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي تحت خط الفقر الشديد، إلا أن ما يميز حياتنا هو قوة الإيمان لدى الناس الذين يسكنون تلك المناطق، لأنهم يعيشون على الفطرة الربانية.
كانوا يعرفون جيداً أن صبرهم لابد أن يعقبه فرج قريب. وكما ذكرت في المقالات السابقة عن أنواع الأكل ووجبات الإفطار التي كنا نتناولها في ذلك الزمان، إلا أن هناك مجالاً واسعاً للسعادة في قلوبهم. السبب في ذلك أن جميع أبناء تلك المناطق كانوا يعيشون تحت مستوى معيشي واحد، ولذلك لا تجد بين طبقاتهم الأغنياء كثيراً، وربما تجد فوارق بسيطة في أسلوب العيش. ورغم أن أغلب أبناء القرية كانوا صائمين هذا الشهر المبارك، إلا أننا كنا نلاحظ صعوبة الصيام لدى الأشخاص المدخنين الذين أصبحت أجسادهم مشبعة بمادة النيكوتين.
وفي بداية سبعينات القرن الماضي، تم افتتاح حقل كبريت المشراق في منطقة جنوب الموصل، والذي يعتبر أكبر حقل كبريت في منطقة الشرق الأوسط. وكانت الشركة المنفذة لاستخراج مادة الكبريت هي شركة بولونية. وبعد إكمالها ونصبها للمعدات المطلوبة، تم تسليم إدارتها بأيدٍ عاملة عراقية، وكان نصيب أبناء جنوب الموصل في العمل بنسبة كبيرة. ورغم المخاطر الشديدة التي واجهت الأشخاص الذين كانوا يعملون في حقل الكبريت المشراق، وذلك بسبب فقدان طرق الوقاية من الغازات السامة المنبعثة من الكبريت وأسباب كثيرة منها عدم توفر شروط السلامة في هذه المنشآت، أذكر جيداً المعاناة التي لحقت بأبناء منطقتنا من العمال والموظفين الذين كانوا يعملون هناك. وقد حدثت حالات وفاة عديدة بسبب مخاطر انبعاث الغازات السامة من الكبريت إلى أجسامهم. وهنا لابد أن نقف بكل إجلال واحترام أمام هؤلاء الأبطال الذين كانوا يصومون شهر رمضان رغم صعوبة عملهم في مناجم الكبريت وما يتبعه من آثار سلبية تؤثر على صحتهم العامة. إلا أنهم كانوا صائمين هذا الشهر المبارك ويعتبرونه شهراً مقدساً ولا يقبلون الإفطار فيه..
هكذا كانت قوة الإيمان لدى أبناء تلك المناطق، وهكذا كان تحديهم للأجواء الملتهبة أحياناً في الصيف واخطار العمل المحيط بهم، ولكنهم يعتبرون أن قدسية شهر رمضان لها مكانة خاصة في قلوبهم.
وإلى مقالة أخرى، ورمضان كريم.

أحدث المقالات

أحدث المقالات