رمضان بين الماضي والحاضر – المقالة الرابعة عشرة

رمضان بين الماضي والحاضر – المقالة الرابعة عشرة

اليوم، وفي هذه المقالة وربما تتبعها مقالة أخرى أو مقالتين، سنتحدث عن صيام شهر رمضان المبارك في الأيام الخوالي التي عشناها في فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، خاصة أن البلاد كانت تمر في أجواء معركة وكان أغلب العراقيين ينتمون إلى صفوف القوات المسلحة. قسم منهم استدعي لأداء الخدمة الإلزامية في ذلك الوقت، والقسم الآخر هم المتطوعون في صفوف الجيش بكل أصنافه. وهنا سأتحدث عن الأيام التي عشناها في ثمانينات القرن الماضي عندما كنا نلتحق بوحداتنا في جنوب العراق، وبالتحديد إلى منطقة شرق البصرة، وكان يصادفنا شهر رمضان المبارك في عز الصيف، ربما في شهر تموز أو شهر آب، وكانت درجات الحرارة هناك تفوق الخمسين درجة أحيانًا، وبدلالة أنني كنت أرى الماء الموجود في الجليكان المخصص لحفظ ماء الشرب قد وصلت حرارته إلى درجة الغليان. وكثيرًا ما كانت تصادفنا معارك في هذا القاطع، حيث كنا نسمع في الجهة الأخرى والقريبة جدًا من موقع قطعاتنا العسكرية أصوات الجنود في الجهة الأخرى الذين لا يبعدون عنا بمسافة بعيدة، وكانت حركتنا مقيدة بالسير في شقوق محفورة داخل الأرض حفاظًا على سلامة المقاتلين.
كانت أيام الصيام تأخذ طابعًا إيمانيًا قويًا جدًا، لأنك تواجه كل الظروف الصعبة في تلك الأيام، فمع الرعب والمشقة التي نواجهها، كانت قساوة الطبيعة تفرض علينا التكيف معها إجباريًا ولم يكن لدينا أي بديل آخر. وكان صيام شهر رمضان لدى البعض يعتبر إلزاميًا، خاصة الأشخاص الذين تعودوا على الصيام منذ صغرهم…
لم تكن في ذلك الوقت في مخيلتنا أي نوع من الأكل على وجبة الإفطار لأنها الوجبة  كانت معدة مسبقًا وهي نفسها الموجودة في وجبة الغداء، وكانت تسمى القصعة، حيث كنا نغطيها بورق الجرائد لنحافظ عليها حتى ساعة الإفطار، ومحافظتنا عليها تكون داخل الملجأ الذي نسكنه وهو عبارة عن  شق ارضي مغطّاة  بالجنكو والتراب ويسع لشخصًا واحدًا. ولم تكن هناك أي وسائل للراحة أو وسائل خدمية، إذ كانت القطاعات العسكرية هناك متنقلة دائمًا حسب الأوامر التي تصدر إليها من الجهات العليا، ولم يكن لدى الوحدات القتالية أي نوع من وسائل الترفيه، ولذلك كان على المنتسب في هذه الوحدات أن يتكيف مع هذا الواقع الصعب جدًا، فتجد وجبة إفطاره نفس الوجبة المكررة يوميًا والتي يقوم بإعدادها طباخون غير متخصصين في الوحدات العسكرية والغاية منها مرحلة الاشباع وليس مرحلة الرفاهية….
والى مقالة اخرى….. ورمضان كريم