تختلف الموائد الرمضانية عن سابقها، فتبدأ بفقدان دسومتها التي كانت لها دور مميز بأنواعها وتشكيلاتها. كانت ربات البيوت يقمن بتهيئتها وتقديمها على وجبات الفطور والسحور، فتجد الصيام في هذه الليالي أسهل من الأيام الرمضانية الأولى.
وفي هذه الأيام، تتوجه ربات البيوت إلى تنظيف وترتيب البيوت. رغم أننا كنا نعيش في تلك المنازل الطينية التي لم يكن فيها أي نوع من الديكورات الحديثة أو أي أثاث رسمي يُذكر، فتجد النساء يقمن بحملة تنظيف تبدأ من الغرف الطينية، ثم كنس كل ما هو داخل سياج الحوش التابع لهم، والذي كان ذا مساحة كبيرة. كانت النساء تستخدم مكنسة من نوع خاص تُصنع من نبات بري موجود في الحوائج في الجهة اليسرى من نهر دجلة وتسمى المگاش، وهو من نبات الطرفه، وتعتبر ذات عيدان قوية تستطيع المرأة استخدامها لتنظيف كل أرضية المنزل التي تكون غالبًا من الطين، حيث لا وجود للأسمنت أو مواد البناء الحديثة في ذلك الزمان في كل منازل القرية.
أما الرجال، فتجدهم يجتمعون في أطراف القرية، خاصة في ساعات العصر، وهم يتهيئون لعيد الفطر المبارك، ويشرح بعضهم للبعض عن ذهابه إلى مدينة الموصل وعن قسم من الحاجيات التي تم شراؤها لعائلته. ومع وجبات الإفطار الخفيفة في هذه الأيام، والتي ربما تكون ما تبقى من طعام اليوم السابق أو قليل من معجون الطماطم ممزوجًا بالماء ومخلوطًا معه البصل أو من مشتقات الألبان التي تفي بالغرض في نهاية كل رمضان، والجميع فرحتهم داخل قلوبهم وهم ينتظرون ليالي العيد المباركة.
ومن المفارقات التي ما زالت عالقة لديَّ عندما قمنا نحن عدد من أبناء القرية الشباب بالذهاب إلى نهر دجلة، وصادف أن كان هناك أشخاص من محافظة أخرى، قاموا برمي ما نسميها البامبا وهي عبوة محلية الصنع في النهر لصيد الأسماك. وبعد أن غادروا، قمنا بجمع الأسماك الباقية التي كانت كثيرة وتقسيمها فيما بيننا لنعود إلى القرية وقد جلبنا معنا الفطور لعوائلنا.
كانت طريقة طبخ وعمل الأسماك تتلخص في تنظيفها وتقطيعها إلى قطع متوسطة ثم وضعها في مادة الطحين وقليها بالسمن النباتي الموجود في منازلنا، وكانت وجبات لذيذة ولها طعمها الخاص. هذه الوجبة الدسمة تعتبر لنا أفضل مما كانت تعده لنا الأمهات في تلك الليالي.
نعم، إن رمضان هو شهر الخيرات، وكنا في القرى والأرياف نعيش معه بقدسية الدين وليس مع أنواع المأكولات التي كانت غير متوفرة ومختلفة كليا عن ما نأكلها اليوم في عالمنا هذا.
ذهبت تلك الأشهر الرمضانية المقدسة مع من كان يصومها على الفطرة الربانية.
وإلى مقالة أخرى، رمضان كريم.