كانت مدينة الموصل تسكنها عائلات تُعرف بتسمية “المواصلة”، بالإضافة إلى وجود عائلات أخرى من أبناء القرى والأرياف الذين هاجروا من الريف واستقروا في المدينة لأسباب عديدة، أهمها البحث عن عمل يوفر حياة أفضل بفضل وجود مدارس لتعليم أبنائهم ومستشفيات للعلاج عند حدوث حالة مرضية.
كان أبناء المدينة الأصليين يختلفون كثيرًا في عاداتهم وتقاليدهم وطباعهم العامة عن جيرانهم من أبناء الريف الذين استقروا في مناطقهم السكنية. فابن المدينة يُعتبر من الأشخاص المنعزلين، وتكون أغلب علاقاته مع أبناء جيرانه وأصدقائه خارج المنزل، إذ يعتبرون أن التواصل الاجتماعي لا يمكن أن يكون داخل منازلهم. بينما تجد أن أبناء الريف المتواجدين معهم يفضلون العلاقات الاجتماعية والتعارف والسؤال عن النسب والعشيرة والقبيلة، وغيرها من العادات والتقاليد الاجتماعية المعروفة لدى أبناء القرى والأرياف، وهذه كلها غير موجودة وربما بصورة نهائية لدى أغلب أبناء سكان المدن. فسكان المدينة يعتبرون مزيجًا مختلطًا من عدة مجتمعات وقوميات وربما عدة أديان أيضًا، وتجد أسماءهم وألقاب عائلاتهم باسم المهنة التي يمتهنها رب الاسرة اوكبير العائلة، فتجد كلمة النجار والحداد والخشاب والقهوچي وما إلى ذلك من المهن التي تنتشر في مجتمعنا العراقي. أما ابن القرية الذي يسكن المدينة، ومع أنه تطبع بعادات وتقاليد المدينة، إلا أنه ما زال يحتفظ بلقبه العشائري ويعتز به ولا يقبل أن يُنادى بغير اسم عشيرته، لأنه يعتبر ذلك الشيء معيبًا بالنسبة له، على اعتبار أنه مقطوع من شجرة ولا يمكن لأبناء عشيرته أن يقبلوا ذلك. ورغم عدم تواصله مع أبناء القرى وعدم معرفته بأغلب الأحيان أبناء أقاربه، إلا أنه يتفاخر دوما بنسبه أمام الآخرين ويتباهى بأنه ابن الريف، رغم أنه يحمل كل الصفات الحضرية.
تجد حتى في رمضان المبارك هناك اختلافًا في بعض العادات والتقاليد لدى تلك العائلات، فأغلب العائلات الريفية ما زالت تقدم في وجبة الإفطار منسف الثريد بكل أنواعه وتعتبر هذا الشيء نوعًا من الكرم والأصالة والمحافظة على عاداتهم وتقاليدهم. في حين أن العائلات المدنية الحضرية تجد موائدهم تختصر على أكلات معينة أهمها الدولمة والكبة وأنواع المقبلات من السلطات، ويكون نوع الخبز الذي يأكلونه هو من الصمون الذي يُخبز في الأفران القريبة منهم، في حين تجد أن الكثير من عائلات أبناء الريف يقومون بإعداد الخبز داخل منازلهم مطابقًا لما هو موجود لدى عائلات القرى والأرياف.
وإلى مقالة أخرى، ورمضان كريم…