رمضان بين الماضي والحاضر الحلقة السادسة..

رمضان بين الماضي والحاضر الحلقة السادسة..

عندما يأتي شهر رمضان في فصل الربيع، كانت وجبة الإفطار مختلفة بعض الشيء عن باقي الفصول الأخرى، كون هذا الفصل يحمل معه الخير الكثير في القرى والأرياف، خاصة في موسم الوفرة عندما تكون هناك أمطار كثيرة، فتجد الربيع بحلته الخضراء يغطي جميع الأراضي الموجودة في القرى والريف. وكانت وجبة الإفطار تكون من خيرات هذه الأرض والنباتات التي تظهر في البراري بدون زراعة ولا تحتاج إلى سقي لأنها نباتات برية تنمو بفضل مياه الأمطار. إضافة إلى أن نزول الأمطار بصورة مستمرة في فصل الربيع يؤدي إلى نمو أنواع كثيرة من الأعشاب البرية، والتي ستكون مساحاتها الكبيرة المكان الأمثل لرعي المواشي كالأغنام وغيرها، وبهذا سيكون هناك موسم وفير لإنتاج منتجات الألبان من تلك المواشي، وسوف تتوفر في البيوت اللبن الخالص الذي يكون الوجبة الرئيسية في السحور، وكذلك القشطة والزبدة واللبن الزبادي والدهن الحر، وكل ما يتعلق بالمنتجات الغذائية من الألبان موجودة وحاضرة في وجبتي السحور والإفطار.
إضافة إلى هذه المنتجات، فإن وجبات الإفطار في رمضان في موسم الربيع سوف تحتوي على بعض المأكولات التي نحصل عليها من النباتات البرية مثل الخباز أو ما يسمى بالأسلاگ وايضا الكعوب، وكذلك الكمأ والفطر. وكل هذه النباتات البرية تنمو بفضل كثرة سقوط الأمطار على الأراضي الزراعية، وبعضها ينمو نتيجة حصول الرعد والبرق، فيظهر نتيجة هذه التفاعلات الكيميائية مع التراب الموجود في الأرض.
نعم، إن لفصل الربيع ميزة خاصة مع صيام رمضان، فالجو في الربيع معتدل وجميل جداً، وتجدنا نحن أبناء القرى في ذلك الوقت متواجدين في البراري الجميلة لقضاء أوقات الفراغ الموجودة لدينا وكأننا نعيش تلك اللحظات في أجمل المصائف والمنتجعات العالمية. وما أجملها تلك الأيام الخوالي وأنت تجلس في فضاء مفتوح على بقعة خضراء من الأرض وأمامك مياه الأمطار تجري في الوديان.
نعم، إن للربيع قصصاً كثيرة مع شهر رمضان المبارك، فإضافة إلى ذلك الجو المعتدل والجميل الذي نعيش مع اجوائه الخلابة ومن حولنا أنواع الأزهار والأعشاب البرية في أغلب المناطق المفتوحة في القرى والأرياف.

وعلى ذكر رمضان والإيمان بأداء هذه الفريضة المقدسة، سأذكر هنا إحدى قصص القناعة والإيمان التام بأداء فريضة الصيام في هذا الشهر المبارك. فقد كان أحد الأشخاص من كبار السن من أبناء عشيرتي يمر بضيق مادي شديد بسبب الفقر الذي كان منتشراً في أغلب القرى والأرياف، وقد صادف رمضان في فصل الربيع ولم يكن يملك أي شيء من المواد الغذائية في منزله. وربما هذه الحالة تحدث مع الكثيرين امثاله.. وكان كل ما يتناوله في وجبتي الإفطار والسحور هو مادة الخباز أو الأسلاگ الموجودة بكثرة في البراري في موسم الربيع، ولم يكن يملك حتى الخبز أحياناً. وذات يوم، وبعد الإفطار، كان بقربه خزان الماء وقام بغسل الماعون الذي كان يأكل فيه، فنظر إلى السماء وبدعوة إيمانية صادقة من قلب مؤمن يخاطب ربه ويقول: “اللهم إن كنت أنت راضٍ بما أنا فيه فأنا راضٍ بحكمتك وقسمتك.” نعم، إن العبد المؤمن إذا ابتلاه الله بفقر شديد فإنه يفوض أمره لله، والله قريب الفرج، وإن بعد كل عسر يسراً.
وهكذا كانوا ينوون الصيام بنيتهم السليمة على الفطرة الربانية وهم يؤدون شعائر الله بكل فرحة وسرور..

وإلى مقالة قادمة أخرى، ورمضان كريم علينا وعليكم بالخير.

أحدث المقالات

أحدث المقالات