لم تكن معظم العائلات في ذلك الوقت في القرى والأرياف تحب السهر في شهر رمضان المبارك، وكانت متابعتهم للمسلسلات والبرامج التلفزيونية بعد وصول الطاقة الكهربائية إلى تلك القرى محدودة…
كانت هناك بعض المسلسلات الرمضانية التي ما زالت محفورة في ذاكرتنا، حيث كنا متشوقين لمتابعة أحداثها. وما زلت أذكر جيدًا مسلسلات “أبو البلاوي” و”النسر” و”عيون المدينة”، وما زلنا نتذكر أحداثها. وقد كنا نتصور أن السيناريو الذي كُتبت به تلك المسلسلات صعب جدًا، ولكن عندما وصلنا إلى مرحلة الكتابة، تبين لنا أنها مجرد سرد لأحداث واقعية ربما حصلت في إحدى مدن أو قرى البلاد…
كان الجميع يذهب إلى فراش النوم بعد نهاية سهرتهم التي لا تتجاوز الساعة العاشرة أو الحادية عشرة مساءً، ولم يكن هناك في القرى في ذلك الوقت أي كازينو أو كافتيريا، والتي كنا نسميها “چايخانه”، يذهب إليها أبناء القرية للسهر فيها، وإنما تكون السهرة أحيانًا في أحد مساكن القرية الذين تربطهم صلة القربى فيما بينهم. وقد كانت الأجواء في القرية، خاصة في الليل، معدومة الحركة تمامًا وكأنك تعيش في منطقة غير مأهولة بالسكان، لأن جميع العائلات قد أوت إلى فراش النوم، ولا توجد وسائل نقل حتى تسمع أصواتها وضجيجها. وكل ما تسمعه في الليل ربما نباح بعض كلاب القرية التي كانت تعيش ضمن سياج البيوت لحراسة المواشي التي يمتلكها أصحاب القرية…
كنا نعرف وقت السحور من خلال الساعة الموجودة في المنازل، وفي أغلب الأوقات كانوا يعتمدون وينظرون إلى ظلام الليل لأنه لم تكن هناك مساجد تنبه إلى وقت السحور، ولم تكن شخصية المسحرچي موجودة في القرى والأرياف. وكل ما نعرفه أننا نمتنع عن الأكل والشرب قبل بزوغ الفجر…
كانت بعض الأمهات تهيئ مادة الخبز على التنور الطيني قبل السحور، وكانت أغلب العائلات يتميز سحورها بمشتقات الألبان…
كنا نتسابق نحن الشباب أبناء تلك القرى، وخاصة الطلاب الذين تعلمنا القراءة والكتابة، إلى قراءة القرآن الكريم وختمه في شهر رمضان المبارك، وهذا كله بتشجيع من عائلاتنا الكريمة، حيث إنهم يحاولون بكل طريقة بناء أسرة سليمة وتقديم النصيحة لأبنائهم وبناتهم حتى يبقوا يسيرون في طريق الخير، طريق المحبة والألفة، بعيدًا عن طريق الإثم والبغضاء.
هكذا كانت أيامنا الرمضانية وهكذا عشناها، وقد تعلمنا منها الكثير والكثير، وأول شيء فقد تعودنا مع فريضة الصيام ، على الصبر عن الجوع والعطش، وتعودنا فيها على طاعة الرحمن ومحبة الآخرين….
وإلى مقالة أخرى، ورمضان مبارك عليكم وعلينا بالخير…