23 ديسمبر، 2024 5:10 ص

رمضان بين الماضي والحاضر

رمضان بين الماضي والحاضر

في سبعينات القرن الماضي وبالتحديد في قرى جنوب الموصل كان رمضان يمر علينا بنكهته الخاصة مع انتشار الفقر والعوز هناك. كنا نحتفل قبل رمضان باسبوعين بليلة تسمى ليلة(( المحيا )) والتي تبين لنا فيما بعد انها ليلة المنتصف من شعبان كانت تجتمع بنات القرية في احد المنازل وكل واحدة تأتي بماقسمه الله من منزلها ليقمن مأدبة جماعيه ويتضرعن الى الله سبحانه وتعالى بتحقيق مطالبهن…اما مجتمع الشباب فلهم التعليلة فقط. يأتي بعد هذه الليلة باسبوعين تقريباً الشهر الفضيل رمضان.
رمضان الصوم رغم ارتفاع درجة الحرارة وانعدام كل وسائل الراحة من ماء بارد او تكييف مركزي وفي اول يوم رمضان غالباً مايجتمع كل رجالات القرية شيبهم وشبابهم على مائدة افطار جماعية يقيمها احد رموز القرية. وغالبا ماتكون من لحوم احد المواشي كالاغنام او الماعز وبطريقة عمل الهبيط او مايسمى الآن تشريب. في ذلك الزمان لايوجد مساجد في اغلب القرى وكان الافطار يبدأ على صوت آذان احد اهالي القرية والذي يسمونه الملة او الحجي ويكون اعتماده في دقة الوقت على غروب الشمس مع انعدام وسائل التوقيت كالساعات وغيرها.. كنا ننتظر هذا الحجي قرب داره وبعد ان يصرخ الله اكبر نركض مسرعين الى بيوتنا لكي نجد وجبة الافطار تنتظرنا وكانت اغلبها خالية من الدسومة حيث لايوجد هناك اي انواع من اللحوم الحمراء اوالبيضاء الا في ايام معدودة اومناسبة خاصة ولكن مع هذا كان اهالي القرية وبشكل معتاد يقومون بعمل فطور جماعي عند الميسورين منهم وهنا ربما ناكل اللحوم في مائدة الافطار في رمضان اكثر من سبع اوثماني مرات في كل ايام الشهر الفضيل.. اما في بيوتنا فكانت وجبة التمن والمرق ملازمة طوال الوقت واحيانا وجبة من الكبة او شوربة عدس واغلب مقبلاتنا مع الفطور التمر فقط الموجود في بيوتنا ومخزون بمادة سعف النخيل وتسمى الخصافة..
كان العطش يلازمنا طوال النهار بسبب عدم وجود الطاقة الكهربائيه وبالتالي لاتوجد وسائل للتبريد وغيرها.وكان احدنا يتباهى بصيامه عندما يخرج لسانه لنجده ابيض بسبب العطش.ولم نكن نهتم بذلك الجوع والعطش كوننا مؤمنين بقدسية شهر رمضان…ولم تكن هناك كما اسلفت جوامع اومساجد ولذلك لم نعرف صلاة تسمى صلاة التراويح.وعندما ينتهي رمضان يستعد رجالات القرية لصلاة العيد في بيت المختار والذي نحر احد شياهه من الاغنام لعمل وجبة افطار صباحية لاهل قريته..ولتبدأ احتفالات العيد والتي سوف اتكلم عنها في موضوع منفصل…ولتكملة مقالتي عن رمضان فرمضان اليوم مختلف تماماً ولايشعر الصائم بالجوع والعطش الا من لديه عمل خارج منزله ورغم ان اغلب العراقيين اما متقاعد او عاطل عن العمل وتجده يقضي وقته على الانترنت كمحلل سياسي للاخبار.فتجد ان السهر طوال ليل رمضان والنوم طوال النهار مع توفر الطاقه الكهربائيه وكل وسائل التبريد من المروحة والمبردة والمكيف الاركنديشن والسبلت والتي وصلت الى كل بيوتنا وفي دوائرنا ومساجدنا ولم تجد للمهفة دورا بعد اليوم..نعم انها التكنولوجيا التي غيرت الانسان وحضارته نحو التقدم والازدهار..واما وجبات الافطار فمن نعم الله التي لاتعد ولاتحصى فكل انواع اللحوم موجودة في مائدة الافطار وكل الخضراوات وانواع الحلويات كالبقلاوة والزلابيا وانواع المشروبات والعصائر كشربت الزبيب والبرتقال وغيرها.وكل هذه النعم ونجد شباب اليوم شباب البوبجي غير راضين ويتأفئفون على نعم الله…
نعم من صام وافطر على ماء غير بارد يختلف على من صام وافطر على مثلجات اليوم…
رحمكم الله يا آبائنا وامهاتنا ورحم زمانكم زمان الحرمان وكليجة التمر في العيد والمعمولة في تنور الطين محشية من تمر الخصافة بدون جوز او سمسم….
اليوم وبفضل الله مائدة الافطار فيها كل شيء والجوامع تقيم صلاة التراويح بعد صلاة العشاء ويذهب بعدها الشباب الى الكافتريا للتعليلة مع النركيلة وعلى الماسنجر والفيسبوك..بينما يبقى الكبار في بيوتهم ليقرأو ماتيسر من آيات الذكر الحكيم…ويبقى السؤال ايهما اكثر اجراً وقبولا صيام بمشقة ام صيام براحة تامة والعلم عند الله…
تقبل الله مناومنكم صالح الاعمال…وصياما مقبولا وافطارا شهياً…..

.