أحدثت ثورة التطور التكنولوجي بوسائل الإعلام المرئية والسمعية والاتصال تغييرا” جذريا في المشهد العراقي بعد عملية التغيير فأنقسم المجتمع على نفسه إلى عدة مجاميع وأنتج لنا فئات مختلفة التوجهات والأعداد وفي ما يلي وصف موجز لهذه المجاميع أرجو إن أكون موفق بوصفهم:-
المجموعة الأولى وهي كبيرة نسبيا” وتشكل خطرا” محدقا” في ظل تباين وغياب التوازنات لأفراد هذا المجموعة (الفكري, والعاطفي, والسلوكي) ، وبغياب الرقابة الذاتية والشعور بالمسؤولية لدى الكثير من هذه المجاميع اتجاه المجتمع والوطن ، وبسبب بساطة وتخلف السواد الأعظم من هذه المجموعة وأيمانهم بماضي مركب مضطرب يؤمن بحكم (إلاهية رجل الدين) , تم توظيفها ببساطة واستغلالهم من قبل رجال الإسلام السياسي وصنعوا لهم مفاهيم سيطرت على عقولهم , وأفعالهم في بعض الأحيان تكون خطيرة و مدمرة للسلم الأهلي والحياة اليومية البسيطة للمواطن.
المجموعة الثاني قليلة نسبيا” تغيرت مفاهيمهم ومعاييرهم جذريا”بعد النهضة الكبيرة في استخدام تكنولوجيا المعلومات لمعرفة شتى العلوم الحديثة حيث أصبحت هذه المجموعة ليست بحاجة إلى مرشد ديني لتعليمهم فهم النصوص وسماع المواعظ الدينية وأصبحت هذه المجموعة محصنة لا تنطلي عليها الوعود الكاذبة من هذا الجهة أو تلك وهي التي يعول عليها بتأسيس منهجية يمكن إنقاذ المجموعة الأولى , وكلنا موقنين بصعوبة الهدف , وطريقة الوصول إلية , وانه ليس بالأمر الهين . ولكنه ليس الأمر المستحيل الأمر مرهون بالوقت .
أما المجموعة الثالث ويمكن استنتاجها من معطيات المقارنة بين المجموعتين الأولى والثانية وهي مجموعة هلامية تقل وتكثر حسب الظروف.
بعد هذا الوصف البسيط لهذه المجاميع وعلاقتها بالخطاب الديني وفهمها لأمور الحياة ندخل في صلب موضوع بحثنا!!
ابتلت مجتمعاتنا بعدة إمراض أخطرها هي انفصال العقيدة عن السلوك أو بمعنى أدق إنتاج تدين بعيد عن الأخلاق وموضوع بحثنا نتاج جوهري لهذا الإفراز نسمعه ونتحسسه ونعيشه كل يوم ،ألا وهو موضوع ارتفاع أصوات كثير من أئمة المساجد ، من خلال مكبرات الصوت الخارجية ، في صلاتهم يوميا” وخصوصا” في شهر رمضان المبارك ، وفي غيرها من سائر الصلوات ، والمحاضرات الدينية, وتصل في بعض الأحيان إلى حد المسابقات , غير مبالين بالمحاذير الشرعية ، ومشاعر الناس من كبار السن وأطفال رضع .
حيث يعلم الجميع إن رمضان هو عبارة عن (مشاعر وشعائر) وبما إن شهر رمضان المبارك مميز هذه السنة بارتفاع درجات الحرارة فيجب مراعاة الجانب النفسي لشريحة كبيرة من الناس وضنك العيش لدى الكثيرين من العراقيين , جعله الله (عز وجل) هذه الأيام مفترجة على الأرامل والأيتام والفقراء وكل إفراد الشعب العراقي.
إن من المسلمات العبادة ، هي الإخلاص للعقيدة وأتباع التعليمات الدينية ببساطة وسلاسة لا على ما تهوى نفس رجل الدين وابتداعه البدع التي تبعد العباد من العبادة وكما يقال (تبعيدا” لا تعبيدا”) فلا مجال للتعبد بالمحدثات ومكبرات الصوت بأحجام وأعداد مبالغ بها , بدعوى تحقيق مصالح ، وجلب منافع , وتثبيت الدين وما سوها من المبررات ، فهناك قاعدة عامة متفق عليها بالإجماع مفادوها (درء المفاسد خير من جلب المصالح) وإذا تعارضت المصالح والمفاسد ، وجب مراعاة الأكثر منها والأعظم ، فيجب هنا مراعاة المصلحة العامة ، فإن تساوت فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح . فمن وجهة نظري بان استخدام هذه الطرق للعبادات عبارة عن تشويش وتضليل لمفهوم العبادة السليمة وهي طريقة بدائية نسبيا” عفا عليها الدهر وتركتاه كل الدول الإسلامية الكبيرة مثل المملكة العربية السعودية وإيران ودول الخليج وتركيا ومصر إلا العراق فما يزال مستمرا” ومتمسكا”بهذه الطريقة ولا نعلم لماذا هذا الإصرار والتمسك .
من واجب كل متعبد إن يسلك الطريق السهل والبسيط للعبادة ، وأن يرحم إخوانه المتعبدين الآخرين من المذاهب والديانات الأخرى الذين تشوشت عليهم عباداتهم بما يسمعون ، من هذه الأصوات العالية حتى لا يدري المرء ماذا قال ولا ماذا يقول في الصلاة من دعاء وذكر .
فإن هناك استنتاج تجدر الإشارة إليه مفادوه (إذا ظهر شيء واشتهر ، فشب عليه الصغير وهرم عليه الكبير ، حتى صار من ينكر هذا الأمر ، قد أتى بأمر مستنكر ، وهكذا البدع تبدأ شبرا ، ثم تكون ذراعا ثم تصير باعا ، تبدأ شيئا فشيئا حتى تتمكن وتصبح أمورا ثابتة )
فيأتي هنا دور المثقف العراقي بالكتابة والنقد, والمتعبدين المعتدلين بالنصح لهؤلاء الأئمة بترك هذه العادة البالية ومحاججتهم بما هو موجود بدول الجوار لتخفيف من حدة وشدت الخطاب الديني . ونتمنى من الله التوفيق