23 ديسمبر، 2024 9:39 ص

رمضانيات – 3 / حلم اللقاء بمظفر النواب !

رمضانيات – 3 / حلم اللقاء بمظفر النواب !

الشاعر الكبير مظفر النواب اكثر الشعراء العرب شهرة بعد نزار قباني ومحمود درويش ! تعرفت على النواب وانا في مرحلة المتوسطة بعد ان استمعت الى شذرات من قصائده الشعبية من داخل بيتنا عبر اخي وخالي . وصادف ان تعرفت على صديق من اهالي مدينة الثورة وحين قرأت مقطعا له من قصائد النواب ، انبهر الصديق ! ووعدني ان يأتي لي بديوان الريل وحمد الذي كان ممنوعا في ذلك الوقت ، وحتى أسم مظفر النواب كان من ضمن الممنوعات باعتباره ( شيوعي ) خاصة بعد انهيار الجبهة الوطنية بالكامل عام 1979 . حفظت الديوان وصرت اقرأ الكثير من قصائده في مناسبات خاصة ، ثم بدأت تصل بغداد بطرق سرية تسجيلات بصوت النواب وهو يقرأ قصائده الفصحى في بيروت وعواصم اخرى الأمر الذي جعل من شعبيته وشهرته داخل فلسطين وسوريا والاردن ولبنان كبيرة ، فكانت وتريات ليلية أول ما حفظت من شعره الفصيح  ! في تلك الفترة وانا في عمر المراهقة كان ديوان المتنبي يرافقني واحفظ منه الكثير وكذلك الجواهري ، وتعرفت على شعراء آخرين فكان سعدي يوسف ومحمود درويش قريبان مني كثيرا .
مرت سنوات وعقود وكنت احلم يوماً بلقاء مظفر النواب ، وحين غادرت العراق الى عمّان تعرفت على البياتي وسعدي يوسف وألتقيت محمود درويش ، لكني كنت أتابع اخبار مظفر النواب الذي كان يقيم في دمشق ، ودائماً كان يذهب سعدي يوسف الى دمشق وكذلك البياتي في سفرات شهرية وعندما يعودوا أسألهم عن مظفر النواب !

احياناً اقرأ حواراً معه  في الصحافة واحس قد اصبح اللقاء قريبا معه ، لكن ليس بأستطاعتي مغادرة عمّان الى الشام في فترة التسعينات إلا بطلب خاص بالعراقيين ! وجاء عام 1998 وفي نهايته غادرت الى النرويج مودعاً العالم العربي برمته بعد رحلة مريرة من الحروب والحصار والمنفى ، مضت ثلاث سنوات في المنفى وكان عليّ الذهاب الى دمشق لاكمال معاملة زوجتي في السفارة النرويجية ، ذهبت الى دمشق لاول مرة وكانت دمشق رائعة وجميلة بطيبة اهلها ، ألتقيت بأصدقاء في مقهى الروضة ، سألت عن مظفر النواب ، قالوا لا يجلس هنا إلا ما ندر ، جلوسه الدائم في مقهى هافانا . وانا امشي في دمشق شاهدت مقهى مكتوب عليه ( هافانا ) ألقيت بنظرة على الجالسين ، لم يكُ النواب من ضمنهم ، عدت الى البيت الذي أستأجرته في حي السيدة زينب مع والدي وزوجتي ، في اليوم الثاني ونحن نمشي في اسواق السيدة ألتقيت بصديقي الذي رحل قبل عام ( صباح عثمان ) كان لقاءاً جميلا ، أثناء الحديث قال لي صباح عثمان : يوم أمس كنت جالسا مع مظفر النواب ! فرحت كثيراً وأحسست بقرب اللقاء بالنواب ! وفي احد المكاتب رفع صباح سماعة الهاتف ليتصل بمظفر النواب وانا أستمع ، ثم قال له أن فلان يريد مقابلتك ، وكان يقصدني ، فحدد النواب موعدا للقائي في مقهى الروضة !
كان شعوري بالفرح لا يوصف ، في اليوم الثاني ذهبت مع صباح الى المقهى قبل الموعد بربع ساعة ، فوجد مظفر النواب جالس بأنتظاري ! ألقيت التحية عليه وعانقته وجلسنا لاكثر من ساعتين ودخلنا بحديث طويل عريض عن  ذكريات قصائده الجميلة التي احفظها وعن فترات نضاله المريرة داخل العراق ، كان بسيطاً وطيباً ، وتحدثنا عن رواية حيدر حيدر ( وليمة لاعشاب البحر ) التي كانت الاوساط الثقافية والاعلامية مشغولة بها آنذاك ، وكان النواب احد ابطالها حيث تتحدث الرواية عن فترة الكفاح المسلح في اهوار العراق ، واذكر جيدأ انه قال : بأن الكثير من الاحداث غير صحيحة ! ثم حدثني عن البياتي رحمه الله وكيف مات في بيته الدمشقي !
أنهيت اللقاء الذي صورنا فيه الكثير من الصور التي لا اعرف اين مصيرها الآن ! وأتفق معي على اللقاء في اليوم التالي بعد ان ألح على دعوتي مع الصديق القاص الذي جلس معنا ( جعفر كمال ) القادم من لندن ، ودعته وفي الطريق كنت أقول لنفسي لقد تحقق حلم اللقاء بمظفر النواب ! في اليوم الثاني نشرت الصحافة السورية خبر وفاة اخته الكبيرة في بغداد ، وثمة مجلس عزاء سيقام لها في الشام ، كان أخي الاصغر قد وصل للتو من بغداد الى دمشق وأسمه (مظفر ) أسميناه مظفر نسبة لمظفر النواب حين ولد في أواخر السبعينات ، أصطحبت أخي مظفر وذهبنا الى مجلس العزاء ، كان مظفر النواب في مقدمة الواقفين يستقبل المعزين ، عزيته برحيل اخته وقدمت له أخي الصغير الذي حدثته عنه في جلستنا في يوم لقائنا داخل مقهى الروضة ، فضحك مظفر النواب واحتضن أخي الذي يحمل أسمه وعانقه !