17 نوفمبر، 2024 9:51 م
Search
Close this search box.

رمضانيات – 2 / علي الصغير ، ذكراك الحادية عشر !

رمضانيات – 2 / علي الصغير ، ذكراك الحادية عشر !

كان كالوردة في البيت تتفتح ، ابتسامته كأنها الشمس حين تشرق في اول الصباح على  بيتنا في  بغداد . اتخذته صديقاً لي وهو سن الثانية ! كل الطفولة وبراءتها تجمعت به ، كان ليس كباقي الاطفال ، هادئاً ، خجولا ، لا يطلب الكثير ، اصطحبته مرات عديدة معي الى اماكن داخل العاصمة بغداد واتذكر شعره الطويل الجميل المتدلي على جبهته . وفي عام 1994 حين غادرت العراق كان قد رافقني الى شركة النقل في ( علاوي الحلة ) برفقة امي وامه ، ! وحين ودعتهم كنت انظر إليه نظرات لا تخلو من الشوق العارم  وكنت على يقين ان لا اراه بعد نظرات الوداع هذه ! سنوات طويلة في المنفى وانا على اتصال معه وابعث له الكثير من الهدايا التي تفرحه وهو يكبر يوما بعد آخر .
وفي مثل هذا اليوم من عام 2002 ، كنت أجلس في شقتي داخل العاصمة اوسلو وكان معي اخي الاكبر ستار وصديقنا الشاعر نجم عذوف ، ذهبا الى المدينة للتسوق ، وبقيت وحدي ، في الشقة ،  كانت السماء قد انقلبت بالمطر الذي سيخسف الارض من شدته وسرعته  ترافقه اصوات الرعد العالية ! كأن شيئا ما سيحدث ! هكذا خُيّل لي وانا انظر من النافذة التي تطل على المدينة ، بعد ساعة وقف كل شيء وعادت السماء صافية والشمس اشرقت من جديد ، إلا ان سيول الامطار كانت تسّير بسرعة فائقة وهي تأخذ طريقها الى مجاري المدينة !
حاولت الاتصال بالاهل في بغداد ، بمجرد ان يفتح الخط ، على الفور يقوموا بغلق سماعة الهاتف ! لا اعرف مالذي حدث عند اهلي في بغداد ، كنت اسمع اصواتا عالية قبل اغلاق الهاتف من قبلهم ، حتى كررت الاتصال مرات عدة وجاء صوت اخي الاصغر الذي قرأ عليّ رقم هاتف جارنا ، ليقول عليك ان تتصل على هذا الرقم !
ازداد قلقي وخوفي ! اتصلت ، جائني صوت جارنا ( ابو جلال ) ليقول ببرود تام لا شيء يستوجب القلق ، الاطفال كانوا يلعبون وخرجت رصاصة طائشة في قلب ابن اخيك ( رافد ) او كما نلقبه ب ( علي الصغير ) !!
مات رافد وهو ابن الثلاثة عشر ربيعاً ! سقطت سماعة الهاتف من يدي ولم أكمل حديثي مع الرجل وسقطتُ ارضاً غارقا بالبكاء والنحيب !!
جاء اخي الاكبر ستار ونجم عذوف ، قالوا ما الامر ، وانكسروا هم بعد ان سمعوا ما حدث من صديق كان يواسيني !
لقد مات علي الصغير يا الله ! وهو في بداية سنوات الصبا ! مات وكسر قلوبنا بطريقة لا مثيل لها !
مرت السنوات مسرعة وها هي ذكراه الحادية عشر وكأنه مات بالامس ! وكنت قد رثيته بقصيدة طويلة مؤثرة ، لكني بعد سقوط النظام عام 2003 ذهبت الى بغداد ولم اراه في بيتنا ، مكانه وخياله وطلته البهية مازالت داخل البيت ، لقد ثكل امه وامي وجميع نسائنا في البيت ! وكسر قلوبنا نحن الرجال ! زرت قبره في مدينة النجف وبكيت بكاءاً غسلت فيه كل سنيني التي احرقتها الحروب والمنافي لكني لم اكتفِ !!
ذكراك يا علي الصغير خالدة في دواخلنا وفي ضمائرنا !
رمضان هذا العام صادف في ذكراك ! أي قدر هذا الذي اخذك منا مسرعا وعلى عجل قبل ان ترى الحياة !
سلاما ايها الفتى المدلل في القلوب الحزينة !

أحدث المقالات