11 أبريل، 2024 8:22 ص
Search
Close this search box.

رمضانيات /14 ــ سهول في قفص !

Facebook
Twitter
LinkedIn

أنتهت حرب الخليج الثانية عام 1991 وبدأت صفحة جديدة في تاريخ العراق . الحصار والتقشف ومصادرة الحريات والحملة الايمانية علامات كانت واضحة داخل الشارع العراقي تنذر بذهاب العراق الى المجهول ! ذهبنا الى نقابة المهندسيين في ساحة النسور لحضور انتخابات اتحاد الادباء التي رشح لرئاستها خزعل الماجدي وكزار حنتوش ورعد بندر ! كنا نتوقع فوز الماجدي  لمكانته الثقافية وكانسان محبوب من الجميع ، إلا ان تدخل الطاغية الصغير عدي صدام في الشأن الثقافي جعل من رعد بندر أن يكون رئيساً ! ثم لينتخب الشاعر وسام هاشم كأمين عام للاتحاد ! أستلم الشباب السلطة الثقافية في بداية العقد التسعيني ! وكثّروا من لقاءاتهم مع عدي صدام ، فولائم السمك الكبيرة والخرفان المحشية ومبالغ من المال في جيوبهم بعد كل لقاء !
بعد شهور قليلة أتضح أن البعض من اعضاء المجلس المركزي كان هارباً من الخدمة العسكرية طوال سنوات الحرب العراقية الايرانية وحتى حرب الكويت ! وتلك قضية خطيرة جداً بالنسبة للنظام العراقي آنذاك ! كتّاب التقارير اليومية التي تؤدي الى المشنقة كانوا يكتبون تقاريرهم على قدم وساق ! ومن الهاربين كان الامين العام ( وسام هاشم ) الذي صدر بحقه امرا بألقاء القبض ، وقبل الامساك به توارى عن الانظار ! وكنت واخي ستار قد رتبنا بعض الترتيبات داخل دائرة تجنيد وسام ، ونجحنا في تسريحي من الخدمة العسكرية من دون أن يذهب ، فكانت امور البلد اشبه بالمنهارة ! وبمبلغ بسيط في تلك الفترة كان بأمكانك ان تعمل اشياء كثيرة وتغير بسجلات الدوائر على هواك ! وقبل اختفاء وسام هاشم كانت الشؤون الثقافية قد أصدرت ديوانه الأول ( سهول في قفص ) واقيمت له  أمسية في اتحاد الادباء أحتفاءً بديوانه الذي يسخر من الحرب وبقوة ! قصائد الديوان جريئة ومهمة وتطارد وضع البلاد التي ذهبت الى مستنقع الحروب بفعل النظام الحاكم !
وبمجرد اختفاء وسام وصدور مذكرة القبض بحقه قامت السلطات بمنع سهول في قفص من اسواق الكتب والمكتبات ! كل النسخ جمعت بساعات من شارع المتنبي ومكتباته ! الشاعر صاحب تلك السهول أختفى عن الانظار لفترة ، بعد أيام وانا اجهز نفسي للسفر الى الاردن ألتقيت وسام هاشم الذي اعرفه منذ سنوات طويلة كان معي أخي الاكبر والراحل رياض ابراهيم ، قال لا تقلقوا انا بخير وأرتب حالي للسفر الى الاردن ايضاً ! شهور مضت ونحن في عمّان حتى وصل وسام الى الاردن ، ونزل في غرفة فاضل جواد ليكونوا ثلاثي جميل في داخل الغرفة التي تستقبل الكثير من الاصدقاء ، فكان فاضل وعبود الجابري ووسام هاشم الذي حصل على عمل كمحرر في جريدة اهلية ، وبمجرد وصول حركة الوفاق الوطني الى عمّان التي عملت على تدمير النسيج الاجتماعي للعراقيين داخل الاردن كانت أولى ضرباتها وجهت الى الشاعر وسام هاشم الذي تمت  محاربته بطرق شتى ! خاصة بعد وصول زوجته ، فقد تم طرد وسام من الجريدة لاسباب مجهولة وقد تبين لاحقاً أن ثمة تدخل من خارج الجريدة !
كانت زوجة وسام هاشم حامل في شهورها الاخيرة وهو العاطل عن العمل ولا يملك من المال ما يسد رمقه ! وعند الولادة كانت حيرته كبيرة ! لكن الله سهل أمر الولادة ! في تلك الاثناء كان الوفاقيون يضحكون على ما وصل إليه وسام هاشم من حال ! لكنه سرعان  ما حصل على عمل في جريدة الاسواق الاردنية وهي جريدة تعنى بالاقتصاد ، وأصبح محررا في الشأن الاقتصادي ! ونجح نجاحا باهراً وقام بتعيين الشاعر سلام كاظم الذي وصل بعد سنوات الى عمّان وكذلك الشاعر سعد جاسم ! كنت دائم الزيارة لجريدة الاسواق  لالتقي بوسام الذي لم ينقطع عن غرفتنا في جبل الحسين ، فكان يأتي في الليل ومعه قنينة من ( العرق ) كتحية لنا ولحسب الشيخ جعفر الذي هو أحد سكان الغرفة !
يتردد اسم وسام هاشم بقوة داخل حركة الوفاق  بأعتبار الامين العام للاتحاد العام للادباء والكتاب وكذلك كان سكرتير تحرير جريدة بابل ! في الوقت نفسه وبينما تحارب الحركة بعض الاسماء ومن ضمنهم وسام هاشم ، كانت تقوم باستقبال البعثيين من اعضاء فرق وقياديين في الجيش وتسهل كل امورهم فهي على ارتباط وثيق بالمخابرات الاردنية التي تشرف على حماية الحركة ومنتسبيها بوصايا أمريكية صرفة على أمل سقوط النظام داخل العراق ! فكان وصول نزار الخزرجي وهو احد قادة الفيالق في الجيش العراقي الذي هرب عن طريق الموصل لينضم لحركة اياد علاوي ، وهكذا أصبحت حركة الوفاق تطارد العراقيين داخل الاردن وترحب بالبعثيين ، في نفس الوقت كنا نطارد حركة الوفاق من خلال كتاباتنا في جريدة اسمها الوفاق في لندن فكان وسام يكتب باسم مستعار اسمه ( حسن الشموس ) وعلي السوداني يكتب بأسم آخر وانا اكتب بأسمي الحقيقي ، فكانت ضربات حسن الشموس مؤثرة داخل الحركة التي حاولت ان تعرف من يكون حسن الشموس لكنها لم تفلح بذلك ! وذات يوم من الايام حين ارسل معاذ عبد الرحيم عضو الامانة العامة للحركة واراد لقائنا فذهبنا ، الى الحركة ولكن كان وسام أشدنا هجوما على الحركة ومنتسبيها بسبب محاربتهم له ! حاول معاذ عبد الرحيم أن ندخل الى الحركة برواتب مغرية إلا ان الجميع رفض ذلك !
عدنا من منطقة البيادر البعيدة عن مركز المدينة ونحن نضحك على حال الحركة وما وصلت إليه ! كان أغلبنا ينتظر نتائج الامم المتحدة في قبولنا كلاجئين ، فيما كانت قصيدة ( الوعل ) وهي احدى قصائد ديوان سهول في قفص المهمة التي لخصت الكثير من آلام ومآسي العراق ، تظهر القصيدة امام شاعرها ويقرأها في اغلب الجلسات التي كانت تجمعنا وفي الاماسي التي اقامها الشاعر كانت القصيدة مطلوبة من الحاضرين !
بعد فترة تمت الموافقة من قبل الأمم المتحدة وقبولنا كلاجئين ، نفس اليوم الذي حصلت فيه على القبول كان وسام هو الآخر حصل عليه ، فرحتنا كانت كبيرة في الخلاص من امور كثيرة لنبدأ حياة جديدة ، بعد أيام اقترب سفر وسام هاشم الى الدانمارك كنت أجلس مع البياتي الذي سالني عن وسام ما هي اخباره ؟ قلت له انه يحضر نفسه وعائلته للسفر الى الدانمارك . قال البياتي قبل يوم سفره ادعوه سأعمل سهرة خاصة على شرفه هو ومن يأتي معه . ابلغت وسام وفرح بكرم البياتي ! كانت السهرة في فندق قريب من السيفوي ، حضرها علي السوداني والدكتور علي عباس علوان وحسب الشيخ جعفر وعواد علي ووسام هاشم وانا بعد أن جلسنا ساعة أو اكثر في غاليري الفينيق لنستأجر سيارة تكسي انا والبياتي والدكتور علي ، وسيارة اخرى كان فيها وسام هاشم وعواد علي ! السهرة كانت رائعة وجميلة أستمتع فيها وسام كثيراً وكذلك البياتي الذي اسرنا باشياء مهمة في تلك الجلسة !
وبعد الساعة الثانية من منتصف الليل استقلينا تكسي كالعادة لاوصل البياتي الى بيته ومن ثم نذهب وسام وأنا ، لكن البياتي أصر أن نوصل وسام هاشم اولاً الى بيته على اعتبار اننا نودعه ! وحين وصولنا عند باب شقة وسام نزل البياتي مودعاً لوسام وعانقه وكانت دموع البياتي قد نزلت بقوة ! قلت لوسام انظر كيف يبكي البياتي على فراقك !!

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب