18 ديسمبر، 2024 10:17 م

رمضانيات اليونان فطور سحور شخور..!

رمضانيات اليونان فطور سحور شخور..!

اليونان صائمة أم فاطرة؟!..
ليس هذا هو سؤال اليوم، وقد أكملنا الأسبوع الأول من شهر الصوم كنا نسمع فيه ونقرأ كل يوم إسم “اليونان” في الواجهات الرئيسية للصحف والمجلات والإذاعات والقنوات.!

وإنما السؤال هو:

“كيف هلّ رمضان هذا العام هلالَه على (أثينا) عاصمة الحضارة الأوروبية (اليونان) وسكانها المنخفض الى 10.992 مليون نسمة في يناير 2014 من 11.062 مليون نسمة كانت عليها اليونان عام 2013 .. وإنخفض فيها عدد الولادات الى 94.100 ثم إنخفض عدد الهجرة اليها إلى 52.000 مهاجر..!

 

ترى هل الصوم هو سبب هذا الإنخفاض المتعدد المكثّف في اليونان.؟  .. وهل صامت اليونان مع هلال رمضان هذا العام، أم انها كانت صائمة قبل هلال الخصيب الهجري أوالصليب الميلادي.؟

 

ثم وكيف ستُوجِّه أعياد هذا العام مزاميرها وطبولها نحو (اليونان)؟..وكيف ستُدوىّ هذه الطبول والمزامير على شعب يُفرض عليه الصوم الإلزامي بإستمرار دون رُطَب الفطور ولُقيمات السحور.؟!

إنه صومٌ حقيقي وليس ريجيم تدريبي، وإنه جوع إلزامي في هذه الحياة، ودون الوعود بالجنة وحور العين في الجنان.!

 

أوروبا لايجوز أن يجوع فيها الفقير .. والقارة الأوروبية كانت قد أودعت الفقر قبل قارتى الآسيوية والأفريقية، .. اليونان كانت هى البوابة لأوروبا (الخير)، والمعروف عن شعوب العالم الثالث إن أرادت (الخير) لجأت لأوروبا بكل الهويات والمسمّيات: طالبا او تاجرا اوكاسبا للرزق او حتى سائحا يكون قد اتجه إلى الموانئ الأوروبية على مركب السندباد البحري.

 

المعروف عنهم ان هؤلاء لا يعودون الى موطنهم الا ومعهم (الخير) وإن اختلف تفسيره من شخص لآخر .. فإن كان آخر موديل سيارة يركبها الإبن المدلّل هو (الخير) لدى البعض، والهندام الأفرنجي “الكلاسيك” هو (الخير) لدى البعض الآخر .. فالبعض الثالث قد لايهمه هذاك ولا ذاك إذ لاينقصه هذا ولا ذاك.!

 

ولكنه يريد ان يرى إبنه أو إبنته في الدهاليز يلويّان اللسان باللّكنة الإمريكية والفرنسية وبلهجتي نيويورك وباريس وهو كل الخير لدى الباشا والمدام.!

وبما أننا متفقون على كلمة (الخير)، دعنا نتفق أيضا على مفهوم الخير، إذ يقال ان الفيلسوف اليوناني سقراط كان يوماً يقف الى جانب أحد التماثيل، وألقى عليه عليه شخص  تحية (صباح الخير) .. فأجابه سقراط: (أول إفهم معنى الخير، ثم صبّح به).!

 

واليونانيون من الشعوب التي كانت تريد أن تفهم،    فأتاحت المجال للعقل قبل الجسم، يقال أن أفلاطون كان يؤجل محاضراته في القاعة وهو ينظر نحو الباب، ويسألوه طلابه “ماذا تنتظر يا سيدي؟” فجيبهم: “انتظر العقل ان يدخل من هذا الباب” ويدخل (أرسطو) من ذلك الباب فتبدأ المحاضرة.!

 

لست متأكدا ان الجيل المنهك اليوم بالديون المتعثّرة بأثينيا أهم الورثة الشرعيون لسقراط وأفلاطون في اليونان.؟  .. ورغم ذلك نسألهم:

 

(أمن العقل يا العقلاء، أن تمدّوا كشكول التسوّل لديون تعجيزية عن إلتزام السداد .. إنه جهلٌ أخطر من الغباء، ان تقدموا أرقاماً غير صحيحة وغير دقيقة لإضافة الديون التراكمية فوق بعضها على أعناق شعب لم يتدرّب على الصوم التطوعي الحقيقي، فما بالكم ان تطالبوه بالصوم الإجباري التقشفيّ.؟!

 

لكن أيام شهر الصوم بعالمنا الإسلامي في هذ الزمن، المسلمون فيها يمشون على جثث المسلمين متراقصين رقصة الإنتصار، على انه شهر الجهاد المقدّس، وكلّما إقتربت الليالي من ليلة القدر، تفاقمت شلاّلات الدماء والجثث حول النيل والفرات بإسم الدين والصوم والصلاة، أخرجت فئةٌ تصلي وتصوم، فئةً هى الأخرى تصلي وتصوم من حلقة الدين على أنها الفئة الضالّة يجب إباداتها قتلا ونحرا وحرقا وتنكيلا .. في حينٍ الصائمون على الجانب الآخر من العالم الإسلامي، صومهم بلا فطور رمضاني، ولاسحور مسحراتي .. وانما صومٌ تقشفي، كلما زاد الجوع والضمأ أعادت كل فئة الفئة الأخرى الى منطقة اليورو الموحدة..!

 

فياليتنا نصوم يوما واحدا من رمضان هذا العام صوماً يونانيا موحِّداً، يوحّد ولايفّرق، يُضمّد لا يُمزّق، ولعلّ هكذا صوم يوناني يعلمنا صوم الحب، نحبّ الصائم الفقير لانحتقره لفقره بل نحبه لفقره، ونحب الثريّ الصائم لا نحسده لثروته بل نحبه لثروته، ونحبّ الأرض التي نصلّي عليها، ونحب من صلّى عليها قبلنا وبعدنا، ولانقتل من صلّى عليها قبلنا بفتوى السابقون، ثم نقتل من قد يصلى عليها بعدنا بفتوى اللاحقون .. ونحب الفرش الذي نصلي عليه، ولا نقتل من صنع هذا الفرش بفتاوي صنيعة اليهود والنصارى.!

 

ومفهوم الخير الذي اراده سقراط لأحفاده في اليونان، جلىٌّ في الإقتصاد الإسلامي، واليونان بخير إن طبقوه بحذافيره بحبّهم للدينار كحبهم للدولار، ولما تكررّت منطقة اليورو بتجربة الصوم التقشفي بلافطور ولاسحور، بل حلّ محله الصوم الصحّي العالمي دون الحاجة للتقشف والريجيم.

[email protected]