تحت عبارة (رمضان كريم)، قامت مجموعة من المحال التجارية في كندا بتخفيض أسعار سلعها الغذائية مساهمة منها في التخفيف عن كاهل عوائل أقلية مسلمة قد لا تشكّل رقماً كبيراً في مجتمع تتعدد أديانه وقومياته، وإنْ كان المسيحيون يمثلون النسبة الأعظم بين أفراده. أمّا في العراق فقد عمد تجّارنا (الشطّار) إلى رفع أسعار المواد الغذائية خصوصاً ما كان متعلقاً منها بالمائدة الرمضانية، فيما تشهد الملابس المرتبطة بالعيد المقبل تصاعداً مضطرداً من المفترض أن يصل ذروته في العشر الأواخر من شهر عنوانه وهدفه نشر المودة وإفشاء الرحمة وبث التسامح بين المسلمين!!
وتحت شعار (النوم في رمضان عبادة) فقد تم تقليص الدوام الرسمي في الوزارات والدوائر الحكومية ساعة واحدة كي يتمتع الصائمون بفرصة نوم جماعي في السيطرات الأمنية تحت لهيب الشمس الحارقة، والالتذاذ برؤية رجل الأمن وهو يفتش العجلات المارة أمامه ببطء سلحفاة معاقة معتمداً على (سونار) ليست به قدرة إلاّ على كشف (الزاهي) واقتناص حشوات الأسنان والقبض على حبوب منع الحمل بالجرم المشهود!!
ولأنّ شهر الله يعلّمنا الصبر ـ ليس على العطش والجوع فقط ـ إنما على البلوى أيضاً، فلا ينبغي لنا أن نتذمر من كهرباء أدمنت الغياب عن أسلاكها، فمسؤولونا لا يمكن لهم أن يتسببوا بضرر لأحد في هذا الشهر الفضيل ومنهم أصحاب المولدات الأهلية ويجبرونهم ـ كما توعد أحد المسؤولين ـ على بيع مولداتهم على شكل خردة والانضمام إلى جيش العاطلين.. أما الماء، الذي لم يعد قادراً على شفطه حتى الماطور (الحرامي) فإن بدائله متوفرة وموجودة. للشرب نستطيع شراءه صحيّاً ومعبأً، وللوضوء يمكننا التيمم صعيداً طيباً، ولا ضرورة للإغتسال فهو هدر للماء أولاً ويزيل الأملاح التي يسببها تعرقنا المستمر من الحرّ القائض ثانياً. هذه الأملاح يمكن أن تصبح ثروة وطنية تعوّض النفط الذي لم نَرَ من ملياراته الفلكية مشروعاً نافعاً أو شارعاً معبداً بلا (طسّات) أو مستشفى لا يقتل مرضاه أو مدرسة يتعلم فيها أبناؤنا حبّ الوطن.. الأوطان، يا سادتي، لا تُبنى بالبترول إنما بعرق أبنائها!!
بعض الصائمين بطرون، العاطلون عن العمل منهم يطمعون بعمل يوفّر لهم عيشاً هنيئاً رغيداً، في حين أن الجنّة للفقراء والمعوزين.. الموظفون والعاملون في الوزارات والمؤسسات الحكومية يحلمون بزيادة الأجور والعدالة في توزيعها، وفاتهم أن الله أوصى كثيراً بذوي القربى.. آخرون يمنون أنفسهم بوطن مدني متحضّر تتوفر في ربوعه كل أسباب العيش الكريم، وينسون أن وطناً كهذا لا يوفر لأبنائه أجراً ولا ثواباً لأنهما لا يتحصلان إلاّ من الشقاء والعذاب.. جميعهم يغضب من غياب الأمن ويحزن لدماء أبنائنا التي تراق يومياً، ولا يعلمون أنّ بلادنا ـ على العكس من كندا وبلاد الله الأخرى ـ هي الوحيدة التي توفر فرصة للقاتل والقتيل أن يذهبا معاً إلى الفردوس الأعلى!!