عالم الألوان لا يتوقف فقط على وهب الحياة الجمال والكمال، بل يتعدى ذلك ليعكس الكثير من بواطن شخصيات الناس وسلوكياتهم، فكل لون يحمل دلالات ومعان كبيرة.
تبرز أهمية الألوان ودلالاتها في كونها تسهم إسهاماً واضحاً في الكشف عن مقومات حضارية في مجال المفاهيم والقِيَم اللونية الجمالية والتعبيرية والرمزية، وفي كون اللون عنصراً مهماً من عناصر التكوين يمكن التعامل معه، باعتباره دالاً على القِيَم الروحية والمادية.
لقد عرفت الشعوب كافة الألوان وارتبطت بها في تقاليدها حتى صارت جزءاً من تراثها الشعبي، فقد ظهر اهتمام الإنسان باللون مع نشوء أولى الحضارات الإنسانية المُبكرّة في العالم، بدءًا من حضارة وادي الرافدين في العراق، وحضارة وادي النيل في مصر ووصولاً إلى الفترة الحديثة في العصر الحديث واستخدمها الإنسان القديم والحديث في فنونه وطقوسه الدينية وفي عباداته ولا تخلو الأديان السماويّة من هذه الطقوس.
وما زالت رمزية الألوان حية في الديانات التوحيدية تؤكد نبل أصلها، فالمسيحية تزهو بها في الإيقونات والجداريات، فيلبس القديس يوحنا ثوباً أخضرًا، ويرتدي السيد المسيح والسيدة العذراء ثياباً حمراء وزرقاء، وقد رفع الإسلام اللون الأخضر رمزاً مقدساً على مختلف البيارق والرايات.
ونحا الإسلام المنحى إياه في لغة الألوان، فجاء في القرآن الكريم: “وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه وإنَّ في ذلك لآية لقوم يُذكَّرون” (سورة النحل الآية 12). فمثلا اللون الأبيض في القرآن الكريم ورد ذكره اثنا عشر مرة في اثنتا عشر آية مختلفة، ويرمز إلى لون وجه أهل السعادة في الآخرة: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} آل عمران -106.
يرى البعض إن الألوان تمثِّل نقطة يلتقي فيها الفن، العلم، الفلسفة والديانات، فتشكل جسراً بين الفيزياء والماوراء، بين الطبيعة والرب الخالق، وهو أمر يدعو إلى تمجيد الله –تعالى- في طريقة خلقه للكون، وفي الجمال اللوني الذي ابتدع به مخلوقاته كلها على الأرض، ويرى البعض الآخر أن اللون علم قائم بذاته، تماماً مثل سائر العلوم.
يتضح مما تقدم أنَّ من الوعي والثقافة والحكمة والإرشاد والتربية والفن والحضارة والدين أنْ تكون عملية اختيار الألوان في كل مجالات الحياة خاضع لضوابط ومعايير مهنية وعلمية وأخلاقية تنسجم مع معانيها ومدلولاتها، لأن عالم الألوان لغة فيها بيان وتبين وبلاغة وفصاحة.
اللون الأحمر يُعتبر من أقدم الألوان التي عرفها الإنسان في الطبيعة، ويعبّر عن الدفء، والحب، والعاطفة والأحاسيس القوية، والإنتماء والطموح والإستعداد للتضحية والفداء، وطلب الثأر، كما أنه لون من الألوان الساخنة المستمدة من حرارة الشمس، ووهجها، وقد يرتبط في بعض الأحيان بالمأساة، والقوة، والإثارة، كما أنه لونٌ واضحٌ ملفتٌ للنظر بشكلٍ كبيرٍ ويسترعي اهتمام الجميع، لذلك فهو لون يعبر عن النشاط والحيوية يمنح النفس البشرية نشاطًا أكبر وطاقة مضاعفة، ويوصف الشخص الذي يفضل اللون الأحمر عادةً بأنه إنسان عاطفي ونشيط للغاية فهو عبارة عن شخص مليء بالمشاعر ومحبوب من الجميع وصاحب شخصية مؤثرة فيمن حوله.
خرج النبي- صلى الله عليه وآله و سلم- في حُلة حمراء مشمرًا صلى بالناس ركعتين.. صحيح البخاري ج2.
جاء في كتاب بحار الأنوار للمجلسي ج44: فالتفت النبي إلى نحو الحسين، وكان له من العمر خمس سنين وقال له: يا قرة عيني أي لون تريد حلتك؟ فقال الحسين: يا جد أريدها حمراء ففركها النبي بيده في ذلك الماء فصارت حمراء كالياقوت الأحمر فلبسها الحسين فسر النبي بذلك.
كان على رسول الله -صلى الله عليه وآله- بردة حمراء تتناثر هدبها على قدميه، كتاب بحار الأنوار للمجلسي ج73.
الله -سبحانه وتعالى- اختار اللون الأحمر ليكون دليلًا على الحزن والبكاء كما هو حال الشمس فعن عن عبد الله بن هلال قال: سمعت أبا عبد الله -عليه السلام- يقول: إن السماء بكت على الحسين بن علي -عليه السلام- ويحيى بن زكريا ولم تبك على أحد غيرهما، قلت: وما بكاؤها قال: مكثوا أربعين يوما تطلع الشمس بحمرة وتغرب بحمرة، قلت: فذاك بكاؤها ؟ قال: نعم كتاب بحار الأنوار للمجلسي ج45.
وفي ضوء ما تقدم كان اختيار اللون الأحمر في مجالس ومهرجانات شور منهج آل الرسول (تَقْوى – وَسَطِيّة – أخلاق) التي تقيمها مكاتب المرجع الأستاذ الصرخي، فهي رسالة توعية وتجسيد رسالي تتضمن معاني عميقة منها: رمزية اللون الاحمر للحب في مجالس الشور تعني: الحب الصادق الحقيقي للحسين ومنهجه الرسالي الإلهي الإنساني.
ورمزية اللون الاحمر للعاطفة والأحاسيس القوية تعني: تحريك العاطفة والمشاعر الصادقة المنتجة تجاه مأساة الحسين-عليه السلام- ومأساة كل مظلوم ومضطهد ومحروم.
ورمزية اللون الاحمر للإنتماء تعني: الإنتماء الحقيقي الصادق الفعال للحسين، والذي هو انتماء للقيم الإلهية والأخلاقية والإنسانية والوطنية، ورمزية اللون الاحمر للطموح تعني: الطموح نحو الخير والكمال والرقي.
ورمزية اللون الاحمر للثأر تعني الثأر للحسين، والثأر للمظلومين والمستضعفين، والثأر لكل القيم والمثل الأخلاقية الإنسانية التي سحقها الجهل والظلم والفساد.
ورمزية اللون الاحمر للتضحية والفداء تعني في مجالس عزاء الشور: السير الصادق العملي على خط التضحية والفداء الذي سار عليه الحسين.. وتعني: التضحية والفداء من أجل الحسين ونهج الحسين وأهداف الحسين التي هي أهداف كل الرسالات السماوية والقيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية.