كنت مشغولا بمتابعة نشرات الأخبار،ووكالات الأنباء ،وماتحمله من تقارير ،وأخبار، حول مايجري هذه الأيّام في العراق ، محفوفا بالقلق .
“الإنقسام قادم” هذا ما يؤكّده المحللون ، والسياسيّون ، والمنجّمون ، وقرّاء الكفّ ،وهم يفرشون خارطته على طاولات
المذبحة ، وليس أمامي سوى ترديد قول الشاعر الجاهلي أوس بن حجر:
أيّتُهَا النّفْسُ أجْمِلي جَزَعَا
إنّ الذي تحذرينَ قدْ وقعَا
أقرأ خبرا نشرته صحيفة الكترونيّة عربيّة نبأ مجزرة راح ضحيتها1700 شاب بنيران “داعشيّة” ، الصور التي رافقت
الخبر ،أكّدت إنّ الإنسان وحش كاسر ، أدرت وجهي ،فإذا بعيني تقع على بيان نشرته مديرة اليونسكو إيرينا بوكوفا
تعلن ،خلاله، خوفها من تعرّض التراث الثقافى لهذا البلد للخطر، داعية العراقيين لحماية تراثهم الثقافي، تساءلت مع
نفسي :هل نجح العراقيون بحماية أرواحهم أوّلا ، ليحموا تراثهم ،وثقافتهم ،وحضارتهم؟
أتذكّر ريمارك في”ليلة لشبونة” وعبارته “العدالة ترف الأزمنة الهادئة” ، في العراق تصبح الثقافة ترف الأزمنة الهادئة
،وهو الذي لم يهدأ على امتداد تاريخه المليء بالحروب ،والصراعات، والفتن،ومن الغريب ،إنّه بالوقت نفسه لم يتوقّف
عن انتاج المعرفة، والثقافة!
أتذكّر المتنبّي المقتول في ( 354 هـ )، والمدفون هناك :
“وصرت إذا أصابتني سهام
تكسّرت النصال على النصال “
وفي الأحوال كلّها، لست وحيدا ،في ساحة الألم العراقي ، أصدقائي المتناثرون في بقاع الأرض كانوا “على قلق ”
أيضا ، عدنان الصائغ،على سبيل المثال، أطلق لحيته البيضاء ، واعتكف لتكملة قصيدته الطويلة”نرد النص” كما
اعتاد أيّام الفجائع، آخرون ملأوا المواقع صراخا، ودعوات لوقف المجزرة ،وجيوش الظلام.
وسط كلّ هذا لفتت نظري تغريدة نشرت في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” هي مقولة الخليفة عمر بن
الخطاب(رض) “العراق جمجمة العرب ، وكنز الرجال ومادةُ الأمصار، ورمحُ الله في الارض… فاطمئنوا فإنَّ رمح
الله لا ينكسر” سارعت إلى تفضيلها ،وعمل “إعادة تغريد “، فعادت الطمأنينة إلى روحي ، رنّ جرس الهاتف ،وكانت
على الطرف الثاني صديقة عراقيّة من أهالي تلك المناطق الساخنة .
– طمئنيني، كيف أنت ؟
– أوَ لا تعرف؟
“صمت”
-ماذا عن المدينة ؟
– لست فيها حاليا
– إذن أين أنت؟
– أكلمك من السليمانيّة
– لماذا؟
– أوَلا تعرف؟
” صمت “
– بعثت لك عدة رسائل ،لكنك لم تردي؟
– لأن الحكومة قطعت النت
– لماذا؟
– أوَلا تعرف؟
………………………….
“صمت”
– وكيف تركت البلاد والعباد؟
– في هرج ومرج ،بدأ المسلحون عمليات إعدام الأسرى من الجنود ، مع ذلك سارع شباب إلى نجدة طلاب
يدرسون بالقاعدة الجوية ، كانوا طوال الوقت يبكون ، ويجهلون مصيرهم ، كيف يكون على أيدي المسلحين إذا ما
وقعوا بأيديهم
– كيف يكون؟
– الذبح طبعا
– لماذا؟
– أوَلا تعرف
……………………………
“صمت”
– والآن، ماذا ستفعلين؟
– أسلمت أمري للمجهول
– أنا مثلك لا أعرف شيئا مما يحصل، وكيف حصل؟ ولماذا؟
– كيف لا تعرف ؟
– وكيف لمثلي أن يعرف ؟
– أوَ لا تعرف؟
“صمت ، قطع الاتّصال “
عاد التوتّر ، ثانيّة ، إلى النفس المطمئنّة ، لكنّ اشعارا وصل من حسابي بـ”تويتر” يشير إلى أن ّ هناك من فضّل
مقولة الخليفة عمر بن الخطاب(رض) ،وأعاد تغريدها ، فاستقرّت نفسي ، وهدأ قلقي ، فــالعراق ” رمح الله لا ينكسر”.