23 ديسمبر، 2024 7:08 ص

ثمة أمر قد أدركه المجتمع الدولي ان الحرب الفعلية التي تجري في منطقة الشرق الأوسط -أكثر مناطق العالم توترا – هي حرب اقليمية بأساليب وحشية وانه لاتوجد حدود تقف عندها المجاميع الارهابية التي اتخذت من التهجير والقتل وتقطيع الاشلاء والابتزاز والاتجار بالبشر وغيرها من الجرائم، من أجل فرض سيطرتها التي طالما تبرر لها باسم الاسلام.

غير ان ما يقوم به التنظيم ليس جديدا، فقد قام من قبل بعمليات مماثلة وبأساليب وحشية عبر اسلافه في باكستان وافغانستان وسوريا ودول أخرى، وبحسب مؤشر الارهاب فان العراق ما يزال اكثر البلدان عنفا في العالم حيث اعتبرت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، أن عام 2014 أكثر الأعوام “عنفا ووحشية” بسبب جرائم ” داعش”، فيما أوضحت أن عدد الانتهاكات بلغ ثلاثة ملايين و981 ألف و597 انتهاكا ارتكبت في العراق.

فيما قالت بعثة الامم المتحدة في العراق “يونامي” ان الهجمات الإرهابية التي قام بها تنظيم “داعش” والتنظيمات المتطرفة الأخرى، أسفرت عن استشهاد 11484 انسان في العراق، واصيب نحو 17235 شخصا جراء الهجمات.

كما أحرز العراق نحو 10 نقاط من أصل عشر نقاط وأنه أكثر المتضررين، فيما جاءت سوريا ثم الصومال ثم اليمن ومصر ولبنان وليبيا…

أوراق مكشوفة

لكن الأمر الخطير يكمن في لغز التنظيمات الارهابية وما هو الجدوى منه، ففي افغانستان على سبيل المثال دخلت واشنطن مدعومة من المجتمع الدولي بصراع منذ سنوات مع تنظيم طالبان، والان يجتمع التحالف الدولي لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” في وقت تزداد فيه قوة التنظيمات المتطرفة كلما أزداد الوضع السياسي سوء، وشاهدنا ذلك خصوصا عندما تضعف مصالح بعض الدول في المنطقة، وهو الأمر الذي يرى فيه محللون ان هذه الدول تعمد على اللعب بأوراق باتت مكشوفة من أجل تأمين مصالحها.

وحسب بعض التحليلات عمدت واشنطن على دعم الحركات المتطرفة من قبل كـ(طالبان) وزجها في مسرح الأحداث إبان الحرب الأفغانية السوفياتية وبعدها دعمت مشروع تفكيك الاتحاد السوفييتي الذي انهار رسميا في 25 ديسمبر 1991، ودخول افغانستان بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001. ليتم احتلال العراق فيما بعد تحت ذريعة الاسلحة المحظورة والان تخوض صراعا مريرا داخل سوريا وتعمل في الوقت ذاته للتصدي للبرنامج النووي الايراني، وتقوم بعمليات سرية في دول مختلفة في وقت تغاضت واشنطن عن دورها في ردع حلفائها الذين يدعمون الحركات الدينية المتشددة مثل الوهابية في السعودية والمتطرفين في دول أخرى.

وبعد أحداث الربيع العربي ازداد الوضع سوءا حيث بدأت حرب المصالح حتى بين الدول المتحالفة فيما بينها كما هو الحال داخل دول الخليج العربي، مما استدعت هذه الأحداث ظهور أو تأسيس جماعات متطرفة من أجل تأمين مصالح بعض هذه الدول لتدخل واشنطن مسرح الأحداث من أجل ايجاد قدم راكزة في المنطقة.

التداعيات على الحكومة العراقية

مع هذه الأحداث بدأت الملفات السياسية الدولية تتفتح مع مرور الزمن وتحديدا في منطقة الشرق الأوسط الأمر الذي أثار الصراعات العميقة حتى داخل الدول المتحالفة من اجل مناطق نفوذها داخل كل دولة يحدث فيها مخاض سياسي، كما هو الحال في مصر واليمن فالجميع شاهد كيف دخلت كل من الامارات وقطر والسعودية المسرح السياسي في خضم أحداث الربيع العربي وهو الأمر الذي أثار حفيظة التنظيمات الاسلامية المتشددة وجعلها تتأثر بشكل مباشر فيما يجري لتكون أداة فيما بعد بيد هذه الدول وزجها في مسرح الأحداث ايضا.

والعراق ليس بعيدا عن هذه الدائرة حيث تأثر بشكل مباشر وانعكس ذلك على مسار العملية السياسية ثم سقوط مدن كبيرة في العراق بيد تنظيم الدولة الاسلامية “داعش”، ففي تاريخ 9 حزيران الماضي فرض تنظيم “داعش” سيطرته على مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، (405 كم شمال العاصمة بغداد) ، ولفت التنظيم انظار العالم الى خطورته بعد ان قام بعمليات قتل وسلب وتهجير واسعة النطاق، وهو الأمر الذي جعل المجتمع الدولي يقوم بتشكيل تحالف “منقوص” من أجل التصدي لخطر “داعش” وتوجيه ضربات جوية وغارات برية نفذها بالتنسيق مع الجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية.

وبرغم عدم وجود أية دلائل على أن ارهابيي داعش فقدوا الروح القتالية، لكن هذه الضربات نجحت الى حد كبير بإيقاف تقدم التنظيم تجاه بعض المناطق وخصوصا الشمالية، ربما لأسباب تتعلق بالنفط والمصالح الدولية مع أكراد العراق. ومن التداعيات الخطيرة التي شكلت انعطافة في مصير البلد حيث قام التنظيم بجملة امور منها.

– تهجير مئات الالاف من المواطنين.

– لا تزال مدن أخرى مثل الفلوجة والانبار ومناطق محاذية للعاصمة بغداد وتكريت بيد تنظيم “داعش” الذي يشن هجمات بشكل مستمر بواسطة السيارات المفخخة والعبوات الناسفة والاغتيالات.

– الاستيلاء على كميات كبيرة من السلاح والاعتدة، واهمها الاستيلاء على 200 مدرعة.

-السيطرة على حقول نفطية حيث يقوم بتهريب النفط باسعار زهيدة، وهو الامر الذي كشف عنه مؤخرا.

– تكبيد العراق خسائر مالية فادحة بسبب صفقات الاسلحة، وتدخل المجتمع الدولي بقوة في الشأن الداخلي العراقي.

تداعيات محتملة

السؤال المهم هنا هل ستشهد الفترة التي تسبق عملية انطلاق تحرير المدن التي تقع بقبضة “داعش” مساومات سياسية للضغط على الحكومة المركزية من أجل تقديم تنازلات معينة، وخصوصا مع ظهور بوادر خلاف تدور حول هوية هذه المدن لانها تقع ضمن الاراضي المتنازع عليها، وظهور خلافات أخرى حول العائدات النفطية.

فيما يعتبر قادة السنة ان الموصل وكركوك مناطق سنية وهو الأمر الذي اثار حفيظة القوى الكردية. في وقت يتنازع فيه الكرد مع العرب السنة ومع الحكومة المركزية من أجل ضم كركوك رسمياً الى اقـليم كردسـتان، والقضاء على عروبتها.

بمعنى آخر، إن بعض القادة السياسيين استنفروا العوامل الاجتماعية والدينية والسياسية وسخروها من أجل تحقيق أهدافهم من أجل تلبية المطالب التي يطالب بها كل طرف. ووصل الأمر الى استدعاء القوى في المنطقة من قبل هذه أطراف النزاع من اجل بسط نفوذها حيث يستعين السنة بالسعودية كما يستعين بعض الشيعة بايران، فان السعودية تعدّ نفسها حامية الطائفة السنية ومصالحها، وتعتبر ايران ان الشيعة في العراق هم موضع اهتمامها وانها تمثل الشيعة في المنطقة، وهو الأمر الذي أدخل العراق في نفق مظلم تضطرم به الصراعات السياسية والطائفية.

في وقت كان من الضروري فيه ان يتم التركيز على وحدة المكونات السياسية تجاه المواقف والثوابت الوطنية التي ستحد من قدرة “داعش”، والتركيز على قيام جيش موحد بعيدا عن التخندق. فان قوة “داعش” جاءى على حساب ضعف السلطة السياسية لمكونات الشعب العراقي.

إن أزمة الموصل والتهديد المتزايد الذي يشكله تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” يخلقان لحظة ذات أهمية قوية مشتركة ولعل بصيص الأمل المحتمل في الأزمة الراهنة قد جاء بعد تشكيل الحكومة وانهاء الخلافات واجراء تسوية التي يمكن ان تحدث في حال توافر رغبة القادة السياسيين بذلك.

فان استعادة المدن من سيطرة “داعش” مرهون بإنهاء التجاذبات والمجازفات السياسية التي يجب أن تتوقف أمام فاجعة سيطرة “داعش” على بعض المدن، وقد تحتاج الحكومة المركزية إلى كسب تأييد الدعم الكردي والسني لتحقيق الاستقرار في المدن والمناطق المحاصرة الأخرى. على ان ينتهي اصرار الاطراف السنية والكردية على تقديم تنازلات أكبر من حكومة المركز فيما يخص القضايا المتعلقة بالأراضي المتنازع عليها والنفط والغاء العفو الع والغاء قانون اجتثاث البعث وتكوين جيش سني (الحرس الوطني) الذي وصل الى طريق مسدود بسب عدم وجود نوايا حسنة.

خلاصة

ان ما هو مطلوب يتمثل بعدة مهام لا يمكن ان تتنصل جهة ما او تحيد عنها في مواجهة التنظيمات الارهابية ومن هذه المهام:

اولا: ايجاد خطة قصيرة الأمد لإنهاء ملف “داعش”، وممارسة الضغط على دول الخليج وخصوصا السنية بمساندتها لإيقاف العنف والتطرف وتحجيم الجماعات التي تؤيد هذا التنظيم. ومحاسبة مرتكبي الجرائم ووضع الحد لمرتكبيها.

ثانيا: ايجاد تدابير من اجل ايقاف زيادة انشطة “الجهاديين” وغلق الباب أمام ايجاد مناطق جديدة قد تقع تحت سيطرتهم.

ثالثا: اعتماد منهجية في الخطط لمواجهة داعش وخصوصا داخل التحالف الدولي.

رابعا: السير قدما في الحل السياسي الذي تبنته حكومة السيد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وتطبيقه فعليا.

خامسا: يجدر بوسائل الاعلام مراعاة الجانب الانساني وبث الصورة الحقيقية لصوت المسلمين المعتدلين، وكذلك ايجاد خطاب اعلامي يفضح الجماعات التي تمول وتدعم الارهاب ويدين تلك الاعمال ويكشف عن آيدلوجية هذه الجماعات.

سادسا: اطلاق مشاريع تنموية وثقافية تأهيلية للمجتمعات وتدريب القوات الأمنية والجهات المعنية بمحاربة التطرف.

سابعا: احداث نقلة نوعية في مراحل مبكرة لمواجهة الفكر المتشدد ويتم ذلك من خلال برامج تصل الى جميع شرائح المجتمع توضح مخاطر الفكر المتشدد.

ثامنا: الاهتمام بشريحة الشباب وتمكينهم ذاتيا واقتصاديا، حيث لم نجد في المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني برامج تساعدهم على غرس القيم والاحترام، لذا يجب الاهتمام بتعليم الشباب ومساعدتهم وكبح جماح اليأس والعجز في نفوسهم.