23 ديسمبر، 2024 3:54 م

رقابة القضاء الاداري على اعمال الادارة

رقابة القضاء الاداري على اعمال الادارة

المقصود برقابة القضاء لاعمال الإدارة أن يتحقق القضاء من مدى مشروعية هذه الأعمال في مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون بمعناه الواسع .إذ لا يمكن للرقابة الإدارية أن تفي بالغرض المرجو من ضمان سيادة مبدأ المشروعية لان مرجع القرار قد يرفض الاعتراف بالخطأ ،وقد يجاريه رئيسه ، ولهذا فان رقابة الإدارة في كيفية ممارسة نشاطها يجب أن يعهد بها إلى القضاء الإداري المحاكم الإدارية وعلى هذا الأساس فأن الرقابة القضائية هي من اكثر صور الرقابة على أعمال الإدارة أهمية ، ذلك لان القضاء هو الجهة المؤهلة لحماية مبدأ المشروعية من انحراف الادارة وتعسفها وتجاوزها حدودها احيانا. إنّ كفالة الرقابة القضائية على مشروعية الأعمال التي تقوم بها الادارة لتحقيق المصلحة العامة وما يصدر عنها من تصرفات يعد من سمات الدولة الديمقراطية وفي هذا الشأن نجد أن هذه الرقابة إمّا تمارس من خلال أنظمة القضاء المزدوج حيث يباشر مثل هذه الرقابة قضاء مستقل يختص بنظر المنازعات الادارية والفصل فيها أو أن تكون الدولة قد اعتمدت في منظومتها القضائية على نظام القضاء الواحد إلاّ أنها تمد ولاية هذا القضاء ليشمل الاختصاص بنظر المنازعات التي تكون بين الادارة والأفراد . إن القضاء هي الجهة الرقابية المختصة لضمان التزام الادارة بالسلطات الممنوحة لها وحدودها التي منحها إياها المشرّع بموجب القانون وبما يكفل حماية وصون حقوق الأفراد المكفولة بموجب الدستور والقانون من أي تعسف وإساءة لاستعمال السلطة أو انحراف الادارة عند مخالفتها للقوانين والأنظمة ويمنع مخالفتها للقواعد القانونية وتجاوزها لحدود السلطة الممنوحة لها خلافاً لقواعد المشروعية بما تمتلكه وتتمتع به من امتيازات ,السلطة العامة فيما قد تتخذه بمواجهة الأفراد من قرارات لا تلتزم بها صحيح القانون وتخالف بها القواعد القانونية وذلك من خلال مباشرة القضاء لسلطته فيما يعرض عليها من منازعات وما تصدره بشأنها من أحكام ويجعل عند ثبوت التجاوز أو المخالفة من جانب الادارة تعرضها للمسائلة وبأن تكون الأعمال أو القرارات الصادرة من الادارة معرّضة للإبطال والإلغاء من جهة القضاء وتثبت حق الفرد بالمطالبة بالتعويض ، ونجد أن عند وجود مثل هذه الآلية للرقابة بشكلها الأمثل المطلوب سيحقق كفالة ضمان الافراد لحقوقهم وحرياتهم وتعمل على أن تلتزم الادارة بتطبيق صحيح أحكام القانون والالتزام به لتجنّب المسـاءلة القضائية وأيضاً المسائل البرلمانية من خلال الصلاحيات الدستورية والأدوات الرقابية والسياسية التي يملكها أعضائه في مواجهة السلطة التنفيذية وفي ذات الوقت أيضاً ستجعل من يملك ويقوم بإصدار القرارات الادارية أيضاً ملتزم بمراعاة القانون بما يدلّل على كفاءته في مباشرة أعمال السلطة والتزامه بالقانون ، وعليه فقد اصبح لزاماً لتمكين القضاء من تحقيق هذا الأمر وتعزيز وإرساء مبدأ المشروعية للتصرفات الادارية أن تسخّر له كل التدابير التشريعية والتنفيذية التي تمكّن القضاء من خلالها من أداء المسئولية المناطة به.
ومن التطبيقات على طبيعة الرقابة في نظام القضاء الموحد نأخذ صورة الرقابة في النظام (الانكلوسكسوني) وهو النظام الذي أخذت به إنكلترا والولايات المتحدة الأمريكية وحذت حذوهم بعض الدول العربية مثل السودان والسعودية والعراق ، إذ من المعلوم أن إنكلترا تأخذ بنظام القضاء الموحد ، فهي لاتعرف نظام ازدواج القضاء القائم على جهة قضاء اداري مستقلة عن جهة القضاء الاعتيادي ، بل يقضي القانون العرفي باختصاص المحاكم الاعتياديةبنظر المنازعات جميعا سواء نشأت بين الأفراد مع بعضهم أو نشأت بينهم وبين الإدارة ، فلايخرج نزاع اداري من اختصاص المحاكم الاعتيادية ألا بناء على نص صريح في القانون . ان وجود قضاء متخصص يمارس الرقابة على اعمال الادارة يمثل ضمانة حقيقية لحقوق وحريات الافراد في مواجهة تعسف الادارة ويؤدي بالادارة الى التأني والحذر في تصرفاتها لتتأكد من مطابقتها للقانون , وقد حمل القضاء الاداري على كاهله هذه المهمة , وتتجلى اهمية وجود قضاء اداري متخصص للفصل في المنازعات الادارية من نواح متعددة نظرية وعملية. يقوم نظام وحدة القضاء و القانون على أساس مبدأ خضوع الجميع ، حكاما ومحكومين ، أي أفراد عاديين و سلطات عامة لرقابة قضائية موحدة تضطلع بها جهات القضاء العادي و تطبق في ذلك أحكام القانون العادي شكلا و موضوعا ـ وذلك كأصل عام ــ حماية لمبدأ المساواة أمام القانون ، ومبدأ الشرعية و سيادة القانون و مقتضيات حماية النظام القانوني لحقوق وحريات الإنسان بكل جدية و موضوعية.
ان الأساس التاريخي المتمثل في الموقف المشرف و الشجاع للقضاء الانجليزى و القضاء الأمريكي ، في مواجهة سلطات و استبداد و تعسف و انحراف الملوك و الحكام قبل قيام الثورتين الإنجليزية و الأمريكية . و الدفاع بقوة عن حقوق و حريات الإنسان و المواطن ، و مقاومة محاولات الاعتداء والتغول عليها ، من طرف سلطات الحكم الملكي المستبد و المطلق . لقد أدى هذا النظام إلى إنجاز مبدأ الفصل بين السلطات و مبدأ استقلال القضاء مما أفضي إلى الدفاع عن فكرة الدولة القانونية و مبدأ الشرعية و سيادة القانون و تأييد حماية حقوق و حريات الإنسان و المواطن ، من أية محاولات الاعتداء ، من طرف السلطات العامة في الدولة ، في ظل الظروف الاستثنائية حالة الحرب ، و حالة الأحكام العرفية و الطوارئ. ومن دواعي الفخر أن فكرة وجود قضاء إداري مستقل عن القضاء العام ليست جديدة, فقد عرف القضاء طريقه في الدولة الإسلامية قبل نحو ألف واربعمائة سنة تحت إسم “ولاية المظالم” التي تعتبر نوعاً من القضاء العالي, وتهدف الى مواجهة جور الحكام والولاة والتصدي لذوي الجاه والنفوذ.
والأصل ان للإدارة سلطة التقدير في اختيار الوقائع التي تبنى عليها اسبابها ما لم يقيدها المنظم بضرورة حصول وقائع معينة لاصدار قرار ما، وقد استقر الاتجاه في الفقه الإداري عموما على بسط رقابة القضاء على صحة الوقائع التي يستند عليها القرار الإداري، ان يستند هذا القرار لأسباب قدرة الادارة التي تنفرد بهذا التقدير ترتيباً على وقائع ثابتة كعدم الرضا عن عمله او عدم انتاجه او عدم قدرته على الاستمرار في القيام بأعباء وظيفته او اخلاله بواجباتها واستهتاره بها أو بالسلوك السوي المتطلب من القائم عليها او استهانته بكرامتها أو بمقتضياتها او بأصول النزاهة او الشرف وحسن السمعة وما إلى ذلك وهي أسباب ترجع كلها إلى ذات الموظف فمتى رأى ان المصلحة العامة تقتضي اقصاءه عن وظيفته وكان لهذه الأسباب اصل ثابت في الأوراق يشهد به ملف خدمته و حياته الوظيفية فإن هذا الانهاء من الخدمة يكون قائما على سببه المبرر نظاما متى استند إلى وقائع صحيحة مستمدة من اصول لها وجود ثابت في الأوراق وكانت تلك الوقائع تنتج هذه النتيجة ماديا ونظاميا، وبناء عليه يكون القرار صحيحا خالي من العيب الموجب لإلغائه.
مما لاشك فيه أن الإدارة في قيامها بأداء وظيفتها تملك أن تتقص من بعض حقوق الأفراد وحرياتهم، وحقها هذا لا يمكن تركه دون ضابط يرسم الحدود التي لا تتجاوزها مما يعرض تصرفاتها للبطلان.
تعد رقابة القضاء على أعمال الإدارة أهم وأجدى صور الرقابة و اكثرها ضماناً لحقوق الأفراد وحرياتهم لما تتميز به الرقابة القضائية من استقلال وحياد . وما تتمتع به أحكام القضاء من قوة وحجية يلتزم الجميع بتنفيذها واحترامها بما في ذلك الإدارة . وإلا تعرض المخالف للمسألة.
ومن المستقر وجود نوعين من نظم الرقابة القضائية على أعمال الإدارة لا يميز النوع الأول بين الأفراد والإدارة في مراقبة تصرفاتهم ويخضعهم لنظام قضائي واحد هو القضاء العادي، ويسمى بنظام القضاء الموحد . أما الثاني فيسمى نظام القضاء المزدوج ويتم فيه التمييز بين منازعات الأفراد ويختص بها القضاء العادي والمنازعات الإدارية وتخضـع لقضاء متخصص هو القضاء الإداري.
ولا شك في أن نظام القضاء المزدوج كان قد نشأ أساسا على مبدأ الفصل بين السلطات ومن مقتضاه منع القضاء العادي من النظر في المنازعات التي تكون الإدارة طرفاً فيها احتراماً لاستقلال السلطة التنفيذية، وهو ما وفر للقضاء الإداري الكثير من الاستقلال والخصوصية يناسب وظيفته في الفصل بالمنازعات الإدارية وإنشاء قواعد القانون الإداري المتميزة أصلا عن قواعد القانون الخاص. وقد اتسم القضاء الإداري بسرعة الفصل في المنازعات الإدارية و البساطة في الإجراءات ضماناً لحسن سير المرافق العامة، الأمر الذي تمليه طبيعة المنازعات الإدارية وتعلقها بالمصلحة العامة غالبا .
وتعد محكمة القضاء الاداري في العراق التي تم انشائها بصدور القانون رقم 106 لسنة 1989 (قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 ) ركناً مهماً من اركان احترام القانون فتختص بالنظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية التي تصدر عن الموظفين والهيئات في دوائر الدولة والتعويض عنها.
غير أن مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن أخطاء موظفيها و مايتبعه من مسؤولية الموظفين الشخصية قد دخلت عليه استثناءات عديدة عدلة من حدته وخففت ما يمكن أن ينشأ عنه من نتائج غير مرضية.
غير أن تزايد المنازعات الإدارية المصاحب لتضخم وظائف الدولة في المملكة المتحدة البريطانية قد دفع إلى تكوين لجان إدارية خصها المشرع بالفعل ببعض المنازعات الإدارية فخرجت بذلك من ولاية القضاء ، وهذا الاتجاه الجديد في المملكة المتحدة ينادي بإقامة قضاء أداري متخصص يكون اكثر قربا من طبيعة المنازعات الإدارية ولو كجهة استئناف لقرار اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي.
أما فيما يخص طبيعة الرقابة في الولايات المتحدة الأمريكية فانه من المعلوم أن أمريكا تأخذ بصفة عامة بالنظام الإنكليزي.فالمحاكم الاعتيادية هي التي تختص بنظر المنازعات جميعا إدارية كانت أم مدنية ،ونظام المحاكم الإدارية غير معروف ، وكذلك تأخذ بمبدأ مسؤولية الموظف الشخصية عما يسببه من ضرر للأفراد .كما أن القاضي الأمريكي يتمتع في مواجهة موظفي الإدارة بالسلطات الواسعة التي يمارسها القاضي الإنكليزي ، فيملك إصدار أوامر مكتوبة اليهم بعمل شئ أو بالامتناع عن عمل شئ أو تبديل قراراتهم .
إن للنيابة الإدارية دور كبير وأساسي باعتبار أنها تباشر مهام الرقابة على الأجهزة الحكومية والإدارية , وذلك مما لدى المستشارين من الاستقلالية والخبرة القانونية والذي يوفر ضمانات كافية لنجاح التحقيق في مثل هذه المخالفات مع الأخذ في الاعتبار وجود أجهزة داخلية مساعدة بالجهات الحكومية لتقوم بجمع الاستدلالات والتحقيقات الأولية وهي الشئون القانونية , و دور النيابة الإدارية يأتي من خلال تخصص المستشارين القانونين للقيام بمثل هذه المهام ومن خبرتهم في التحقيق في قضايا التأديب والتي تتطلب قدر خاص من المعرفة بالإضافة للدارسة القانونية , وأيضا لأن تصرفاتهم يغلب عليها طابع الاستقلال لا التنفيذ المرتبط بأوامر صادرة من الرؤساء التنفيذيين , وبذلك يؤدون دورهم بكل فعالية وجدية وحرص, وهم يتبعون لوزارة العدل ولا يختلفون عن النيابة الجنائية إلا في اختلاف الجرائم التي يحققون فيها , وبما أن للنيابة حق ممارسة الكشف عن المخالفات الإدارية والمالية , فعليها إذا كشفت عن شي من هذه المخالفات من خلال رقابتها أن تجري التحقيق اللازم في الأمر , بما في ذلك التفتيش لأماكن العمل للكشف عن المخالفات وبعد أن يتم التحقيق في الموضوع , ويظهر منه وجود ما يعده القانون مخالفة مالية أو إدارية تستوجب إيقاع العقوبة التأديبية , أو ينتج عن التحقيق وجود جريمة تستوجب إيقاع العقوبة , فإن عليها أن توضح ذلك بالأدلة الكافية ليتم إعداد قرار الاتهام اللازم لذلك , وللمرافعة لدى الجهة القضائية المختصة وذلك حسب القانون الذي ينظم عملها.
وختاماً فإننا نؤكد على دور وأهمية القضاء بضمان عدم التعسف أو الانحراف من جانب الادارة فيما تصدره من تصرفات وقرارات في مواجهة الافراد ومساندة جهود الدول التي ترسي مبدأ الديمقراطية وصيانة حقوق وحريات الافراد ومبدأ سيادة القانون ، على أن تكفل الآليات التي تضمن وتكفل تمتعهم بتلك الحقوق والحريات من جانب والتزام الادارة بتحقيق الصالح العام من خلال رقابة فاعلة للقضاء ويخضعون لها ,خلال المنازعات التي تعرض أمامها والسبيل لذلك بأن يدعم ويسند عمل القضاء حيث يقاس مدى تطوير هذا الجهاز بما يكفل لها الاستقلال وتوفير الامكانيات المالية والبشرية فالسلطة القضائية عماد أساسي يلازم التطور في عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية في دولة القانون.