بعد أن فرّوا من سيف داعش، وغدر المليشليات، والبراميل المتفجرة، وقنابر الهاونات، وقذائف الدبابات، وصواريخ الراجمات، وارض ارض وغيرها…، وتركوا مناطقهم وديارهم قهرا حين تحولت إلى ساحة تدور فيها رحى المعارك والصراعات التي أُقحِم فيها العراق بسبب السياسات الطائفية المتحكمة فيه، وتنفيذا لإرادة المحتل الأشرس إيران، فبعد كل هذا نزح الملايين من العراقيين إلى مناطق أخرى علَّهم يجدون ملجأً ومأوى، فكان شرط الكفيل والكفلاء لهم بالمرصاد، فمن توفر عنده هذا الشرط من القِلَّة النادرة، كانت تنتظره المليشيات بالقتل والخطف والتعذيب والابتزاز والإذلال، وأما الغالبية العظمى لجئوا إلى العراء فكانوا على موعد مع البرد القارس شتاءً، والحر القاسي صيفا.
إذا كان مَن في الديار، وتحت أجهزت التكييف لا يستطيع تحمُّل حرارة الصيف التي وصلت إلى أكثر من نصف درجة الغليان، فكيف سيكون حال من يقطن العراء تحت المخيمات؟!، هل يستطيع احد أن يتصور نفسه وعائلته في خيمة وفي ذلك العراء وتحت حرارة الصيف المحرقة، وهو ينظر إلى طفله يتلوى ويصرخ ويبكي من الحر ؟!، واقع مأساوي لا يمكن القبول به حتى في عالم التصور والخيال، فكيف إذا بات واقعا ملازما، ولا يوجد بصيص أمل في التخفيف من هوله، فضلا عن إزالته، مادام المنتفعون الفاسدون التابعون هم المتسلطون.
عشرات النازحين قضوا نحبهم، لكن هذه المرة بسبب حرارة الصيف، ومن الطبيعي جدا أن تمر هذه المأساة كسابقاتها دون أن يتحرك ضمير الرموز الدينية والسياسية الانتهازية ومن يدور في فلكها وعالمها الذي مات فيه الضمير والإحساس والشعور، لأن القلوب اشد قسوة من الحجارة، وصدق من قال: نحن في زمن إذا قيل للحجر كن إنسانا لقال: عذرا فلست قاسيا بما يكفي!!!،وهل ثمة مشاعر عند من يرقص على جراحات الشعب، ويعتاش على صناعة الأزمات، وسفك الدماء؟!!!.
بات من البديهي جدا أن تتظافر جهود العقلاء والشرفاء والأحرار من اجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من العراق وشعبه، قبل أن تؤصد كل أبواب العلاج، وتُقطع سبله، ولا سبيل ولا خلاص ولا نجاة إلا بالتغيير الجذري لجميع المتسلطين، فلقد ثبت فشلهم وفسادهم المستمر الدائم الملازم لوجودهم ومصالحهم ومصالح أسيادهم، ومن ثم تشكيل حكومة خلاص مؤقتة تعتمد المهنية والولاء للعراق في اختيار أعضائها، وبإشراف الأمم المتحدة التي تتبنى التغيير القادم الذي لا مكان فيه للمتسلطين والفاسدين تنفيذيين كانوا أم برلمانيين، من خلال تفعيل مشروع الخلاص الذي طرحه المرجع الصرخي والذي تضمن أيضا حلا مؤقتا لأزمة النازحين يتمثل بإقامة مخيمات عاجلة للنازحين تحت حماية الأمم المتحدة بعيدا عن خطر المليشيات وقوى التكفير كما جاء في البند الثاني من المشروع:
((2ـ إقامة مخيّمات عاجلة للنازحين قرب محافظاتهم وتكون تحت حماية الأمم المتحدة بعيدةً عن خطر الميليشيات وقوى التكفير الأخرى)).