23 ديسمبر، 2024 4:10 م

رفقا بالإنسان يا ( قادة) حقوق الإنسان

رفقا بالإنسان يا ( قادة) حقوق الإنسان

قبل سنوات عدة ، توفيت ابنة اوناسيس- اغنى رجل في العالم في زمانه- تاركة ثروة طائلة لطفلة في الرابعة من عمرها ليس لها من اقرباء او اوصياء على هذه الثروة. وظهرت اغنى طفلة في العالم برفقة مربيتها ومحامي العائلة تلهو بلعبتها ، لا تعلم انها ورثت اكبر امبراطورية في تاريخ النفط والمال. لم نكن بحاجة للقلق بشأن من سيقوم بادارة اموال الطفلة، ففي تلك الدول تتولى الدولة الوصاية وادارة اموال القاصرين حتى يبلغ الاولاد السن القانونية. حينها وقفت تلك الدولة على قدم وساق وانشغلت وسائل الأعلام لفترة طويلة بالطفلة واموالها ومأساتها التي تمثلت بحرمانها من والدتها ، ولم يتطرق احد للحديث عن موضوع النزاهة أو كيفية حماية ثروة الطفلة، ومن المؤكد ان الطفلة كبرت الآن وأصبحت شابة لتجد ثروتها بانتظارها دون ان يفرط بدولار واحد منها. هذا (بالضبط) ماحدث.

في بلدنا الذي يعج ببعض الشرفاء -الشرفاء جدا – الذين طفوا على السطح بمبادئهم الجديدة بعد سقوط النظام ، فقد احتل كل منهم بناية من مباني الدولة وجمع من حوله بعض الشرفاء امثاله ليشكل جمعية او منظمة، ربما دفع من جيبه وجيوب اصحابه تكلفة (اليافطة) التي تفنن الخطاط في ابراز شعاراتها التي تتعلق بحقوق الأنسان، وهو يعلم جيدا ان جيبه وجيوب اصحابه ستحتاج الى عملية نفخ وربما اضافة رقعة قماش او كيس كي تتسع للأموال التي تدخل الجمعية.

لقد كانت السياسة التي سارت عليها قوى التحالف ومنظمات الأمم المتحدة التي جاءت بهدف تقديم العون للمواطن العراقي- كما قيل، بمثابة ابواب السماء التي فتحت لتملأ جيوب بعض المتاجرين بمآسي العراقي وبحقوق الإنسان الذي لم يعد يعرف اين يبحث عن حقوقه. قدمت هذه القوات والمنظمات الدعم المادي لكل من شكل جمعية او فرعا من منظمة وعمرت للبعض المباني وزودتهم بافضل انواع الأثاث وبوثائق وجوازات السفر التي جعلت من السفر اولى المهمات على جداول اعمال جمعياتهم. والغريب ان اعضاء هذه الجمعيات لم يزيدوا او يقلوا بل انهم لم يتغيروا برغم ان اهم شروط انشاء هذه الجمعيات المثبتة على انظمتها الداخلية هو خضوعها لانتخابات مستمرة. ما حدث – وياللعجب- ان هذه الجمعيات تحولت الى ملكية خاصة ، حيث بادر رؤساء ورئيسات الجمعيات الى اعتماد اخوتهم واهلهم في ادارة هذه الجمعيات والنهل من خيراتها ومن الرواتب والأموال التي خصصت لخدمة المواطن الذي اندفع بلهفة ليقف على باب هذه الجمعيات التي رفعت حقوقه شعارا لها. وبعد ان طال انتظاره على الباب عاد خائبا مدركا انه اخطأ اذ وطأت قدمه املاكا خاصة، وانها ككل مؤسسسات ودوائر الدولة تحولت بدورها الى املاك خاصة.

وبعد ان انتهت المنظمات الدولية من توزيع المنح ورحلت قوات التحالف، اغلقت معظم هذه الجمعيات والمنظمات ابوابها ليحافظ مالكوها على ثرواتهم، ولم يتبق سوى فروع بعض المنظمات الدولية التي تعتمد على التمويل الخارجي لتقدم خدمات – وإن تكن محدودة- الا انها ساهمت بدعم بعض الشرائح من فقراء وارامل العراق.

وكان آخر ما قامت به احدى المنظمات الدولية المعروفة هو الحصول على مشروع قروض ميسرة للشباب والفقراء تصل قيمة المنحة فيه الى تسعة ملايين دولار، ولضمان توزيعه على اكبر قدر ممكن من الشرائح انشئت لذلك منظمات محلية، فما كان من اصحاب هذه المنظمات الا ان قرروا الانفصال عن المنظمة الدولية الأم بعد ان تسلموا حصصهم من الدولارات المخصصة لتسليف الفقراء، يساعدهم في ذلك قانون المنظمات الذي يسمح لهم بالاستقلال والعمل بشكل منفرد بعد ان تم تسجيلها في دائرة المنظمات، ولم يكتف رئيس احدى هذه المنظمات المحلية ب(شفط) الدولارات بل منح لنفسه راتبا شهريا قدره (7000)دولار جزاء المجهود الذي بذله في التحايل على المنظمة الدولية!

وهكذا لم نعد بحاجة للقلق بشأن (الكعكة) التي تسابقت على اقتسامها دول العالم بعد 2003، فقد سبقهم الى ذلك ابناء البلد من قادة المجتمع والثقافة والسياسة من الحريصين جدا على الكعكة العراقية وعلى حقوق الإنسان، والذين قد تضطر حفيدة أوناسيس لاستدعاء أحدهم يوما اذا ماعجزت عن إيجاد نقص في الحسابات أو الميزانية الخاصة بمشروعاتها، واذا ما فكرت بالجلوس على (الحديدة)!.

[email protected]