26 نوفمبر، 2024 11:31 ص
Search
Close this search box.

رفائيل باتاي وتحليل امراض العقلية العربية

رفائيل باتاي وتحليل امراض العقلية العربية

أنتج كتّاب الغرب تصور يصنع نظرية عن الشخصية العربية تضعها دون مستوى البشر، ونعني بالكتّاب الغربيين هنا، كل الكتّاب المعاديين للوجود العربي والممالئين للعدوانات الغربية العرقية والعنصرية، الذين ألفوا عشرات من الكتب ودفعوا بها الى دور النشر الشعبية التي توزع كتبها بمئات الآلاف من النسخ.

هذه الكتب تعالج معالجة مضللة جوانب الشخصية العربية في سلوكها وتفكيرها وتعبيرها واقتصادها وكفاحها وتطلعاتها معالجة محرفة ومشوهة تسيء الى مفهوم الغرب عن العرب ومقاصدهم، والطريف في الامر ان كل باحث من هؤلاء يحيل القارئ الى باحثين آخرين من صنفه ليؤكد ان اجماع الدارسين منعقد على ما يقول، وهذا ما يجعلها – اي الافكار والتصورات- اكثر خطورة وأشد مجلبة للاهتمام، لانها تتزيا بالزي العلمي وتتذرع بعلم الانسان وعلم النفس وعلم الاجتماع وتاريخ الحضارة والتاريخ السياسي والدراسة الاقتصادية… لكي تغدو مرجعاً علمياً يرجع اليه طلاب الجامعات الاجانب حين يدرسون الشرق الاوسط. وبذلك تكون الثقافة الغربية قد شوهت الماضي وكسبت الحاضر وقطعت على العرب طريق المستقبل ايضاً.

من بين هذه الكتب، كتاب –العقل العربي- الذي ألفه رفائيل باتاي.

وباتاي هذا، يهودي هنغاري الاصل (1910- 1996) امريكي الجنسية، صهيوني مزمن، تلقى تعليمه في بودابست، ونال شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعتها عام 1933، متخصصاً في تاريخ حضارات الشرق الاوسط ولغاته.

في ذلك العام، كان قد بلغ الثانية والعشرين من عمره، فهاجر الى فلسطين لاجئا ليقيم فيها من 1933 الى 1947، وعمل طالباً ومحاضراً في الجامعة العبرية بالقدس، حيث تابع تخصصه في الشؤون الفلسطينية اولاً ثم العربية ثانياً.

وفي عام 1936، نال من الجامعة العبرية في القدس شهادة الدكتوراه الثانية، وكان اول يهودي يفوز بالشهادة من تلك الجامعة.

اقام باتاي في القدس خمسة عشر عاماً زار خلالها عدد من الاقطار العربية، وعقد صداقات مع مثقفين بارزين في القدس وفلسطين العربية، وفي عام 1947، هاجر باتاي الى الولايات المتحدة حيث عمل استاذاً في علوم الانسان لمدة عشر سنوات، كان يحاضر فيها عن حضارات الشرق الاوسط وشعوبه في جامعات عديدة، مثل برينستون وكولومبيا ونسلفانيا، متخصصاً في الانثروبولوجيا والدراسات الثقافية، واشرف على فريق عمل في جامعة نيوهافن، اصدر ثلاثة كتب عن كل من سوريا ولبنان والاردن، كما اصدرت له جامعة بنسلفانيا عام 1962، كتاباً مشهوراً بعنوان- نهر ذهبي الى طريق ذهبي: المجتمع والثقافة والتغيير في الشرق الاوسط – وله علاوة على مؤلفاته الكبيرة في التاريخ اليهودي كتب عديدة عن الشرق الاوسط والمجتمع العربي، نذكر اهمها:

1- في الاتصال الثقافي وتأثيره في فلسطين الحديثة.

2- الجنس والعائلة في الانجيل والشرق الاوسط.

3- ثقافات في صراع.

4- العقل اليهودي.

وغيرها جاوزت العشرة مؤلفات.

يشير اليه- اي الى باتاي- المجتمع الاكاديمي باعتباره عقلية اكاديمية فريدة صاحبته انجازات رائدة ولكنه من ناحية اخرى قد يكون دجالاً مغرضاً حقق شهرته بعد تأليفه للكتاب – العقل العربي- المثير للاعجاب في الغرب وللجدل عند العرب.

ولا اغالي اذا قلت ان هذا الكتاب يعتبر من ابرز المحاولات التي تقوم بها المنظمة الصهيونية العالمية لتشويه صورة الانسان العربي، وذلك لاستناده الى جهد كبير في عملية التوثيق وجمع المراجع.

وتكمن المشكلة في احتفاء الاوساط الرسمية الغربية بهذا الكتاب، انهم يرون فيه مرجعاً لفهم الثقافة والعقلية العربية رغم ان كاتبه استاذ جامعي هنغاري الاصل اسرائيلي الجنسية امريكي الاقامة، حاصل على درجتي دكتوراه وألف اكثر من خمسة وثلاثين كتاباً وستمائة دراسة.

هذا الكتاب غربي العقل لا يتوخى الدقة فيما يورده من معلومات ويعرضها كحقائق لا تقبل المناقشة، كما ان ثمة شكاً في مصداقية المصادر التي يعتمد عليها الكتاب في اطلاق احكامه على منطقة تمتد جغرافياً من المحيط الى الخليج، وتاريخياً من اليوم الاول في الخليقة والى يومنا هذا.

يعود صدور –العقل العربي- الى عام 1973، وهو تاريخ يؤشر لبداية اهتمام الغرب الجاد بالشرق وتلقفه هذا الكتاب لاعتباره دليلاً للعقلية الغربية لفهم الثقافة والنفسية العربية.

يعتمد منهج باتاي في هذا الكتاب الكثير من التعليمات المستمدة الى القليل من الحقائق كما يدعى ان مصادره تشكل من وثائق حقيقية واستدلالات لغوية ودراسات قام بها علماء نفس عرب، وقد اجمع النقاد منذ صدور هذا الكتاب على انه عمل بحثي مؤثر، ولهذا تكرر صدوره في عدة طبعات بناء على رغبة القراء ولأنه انجاز رئيس في حقل هام من حقول المعرفة، بل انه تحليل كلاسيكي لا غنى عنه للثقافة ولدراسة المجتمع العربي، وهو المرجع الرئيس لفهم الشخصية العربية الذي لا غنى عنه للساسة والاكاديميين والعامة.

يتصور المؤلف باتاي، ان دراسته للعربية والعبرية والارامية تعطيه اجازة في فهم الوطن العربي، وبغض النظر عن اتهام باتاي عنصرياً كان معتدلاً في رؤيته التي يقدمها عن العقل العربي، فأن سؤالاً يطرح نفسه بقوة: هل يعقل ان يؤلف كتاب مكون من 466 صفحة ويصدر عام 1973، ثم يعاد صدور طبعاته المنقحة والمعدلة، بل ويُقر على جنود القوات المسلحة الامريكية المكلفين بالخدمة في الشرق الاوسط او العراق بالتحديد على مسمع ومرأى من العالم الغربي فيقابله جهل مطبق وتجاهل من دون التعامل مع هذا الكتاب في شكل ترجمات وسلسلة من القراءات والمناقشات يعقبها قيام فرق من الباحثين يقودها نخبة من العقليات العربية بتكليف من

المؤسسات الثقافية والاعلامية العربية لاصدار مجموعة من المؤلفات باللغات الاجنبية لمخاطبة العقل الغربي وتقديم صورة حقيقية عن العقل العربي؟

وسواء كان المؤلف يضلل القارئ الغربي او يعجز عن تقديم اطروحة اكاديمية متكاملة عن العقل العربي فالنتيجة واحدة في طبع سلسلة من الاباطيل انتشرت في العالم الغربي وأثرت سلباً على صورة العرب في الغرب ومن بينها ما يدعيه من ان اخطر ما تواجهه العقلية العربية هو تكريس الخطاب الديني في المجتمع لسحق هوية المواطن العربي منذ الصغر كي يصبح جزءاً من كل يشكل هوية الامة الاسلامية، لذلك يجنح الكتاب الى الهوس بالتعليمات واطلاق الاحكام التي يرى المؤلف وهو استاذ جامعي عريق، انها تنطبق برمتها على العرب في المغرب والصومال ولبنان دون نقاش، اذ يرى المؤلف تماثلاً واضحاً لا تخطئه عين في اسلوب تربية النشئ بين المغرب والعراق، الامر الذي يوازي بالضبط ان يصدر كاتب عربي عن العقل الاوروبي وعن سلوك شعوب الشمال، لكي يعتبره الساسة والقادة في الجنوب نبراساً لهم.

يزعم باتاي، ان العقلية العربية تقسم العالم الى مسلمين وكفار وكل من هو ليس بمسلم اي يدين بديانة اخرى، فهو مرتد ويشكل خطراً على الاسلام وبالتالي يقع عليه الحد. هكذا يعتقد المسلمون المؤمنون بتعاليم الاسلام وفقاً لباتاي، ولا يفوته ان يذكر انهم يزدرون الاديان السماوية الاخرى لانهم وحدهم المسلمين هم المؤمنون الحقيقيون والسبب وراء هذا الاحساس المتزايد بالفخر بالعقيدة كما يوحي الكتاب لقرائه الغربيين، هو الوضوء والصلاة خمس مرات يومياً. الغريب فيما ذكره الكتاب هو اعتراضه على اداء المسلمين للصلوات الخمس باللغة العربية، الأمر الذي يعمق احساسهم بتفرد اللغة العربية، وتلك مشكلة اخرى من مشاكل العقلية العربية ينبغي على العالم الغربي التصدي لها.

ابرز ما يطرحه هذا الكتاب ويشهد له به قراؤه الغربيون هو تركيزه على حجر الزاوية في ازمة الاسلام، الا وهي العقلية العربية، وكيف ان السبب الرئيس في تلك الازمة بالتحديد هو أثر الاسلام السلبي على العقلية العربية عندما يحول من مواطنين لطفاء وابرياء الى قتلة ممكنين.

وعندما يتعرض الكتاب للاسلام فان قضيته الاسلام تقود المؤلف الى قضية اخرى مرتبطة بها وهي اللغة العربية التي تتسبب في تحديد ماهية العربي ولو كان يحمل الجنسية الفرنسية او الامريكية او غيرها. فالعربية كلغة ام تتميز بخاصية فريدة من نوعها تضفى على ناطقها هوية تأسر روحه وعقله ومن ثم يستحيل ازالتها او طمسها، وكل محاولات تشويهها تؤدي الى اضرار نفسية تتمثل في مقاومتها العنيفة لكل عوامل التعرية، ذلك ان الاسلام هو عماد اللغة العربية، واللغة العربية هي عماد الدين، والاثنان معاً يشكلان بدورهما جذور الهوية العربية.

من بين الاتهامات التي يكيلها المؤلف للغة العربية هو فصلها الواضح بين المذكر والمؤنث بعكس اللغات الاخرى التي من الممكن ان يقوم لفظ واحد محايد في الاشارة الى النوع ويترتب على هذا عدم تبني الابوين لمنهج محدد لتربية الطفل والطفلة مما يؤدي الى تدليل الطفل واضطهاد الطفلة.

اما عن شكل علاقة الجدة والام بالطفل الذكر كما يذكرها الكتاب، فهي صورة مريضة وممقوتة لا يمكن ان تصدر الا عن عقلية مريضة وقبيحة لا نرى في الوجود الا ما هو قبيح وربما بسبب هذا الاعوجاج النفسي يرى المؤلف في اللغة العربية عدواً شرساً ووحشاً لا بد من صرعه، لهذا فان ابرز عرض من اعراض امراض العقلية العربية المزمنة الوارد بين الاسباب التي يسوقها المؤلف في اطار شرحه للقارئ الغربي سر تخلف العرب عن الركب الحضاري هي اللغة العربية التي لاحظ عليها اعراضاً خطيرة من الانفصام والتبلد في مجال الاحساس بحركة الزمان بالاضافة الى المغالاة في التعبير عن العواطف والتفاخر اللغوي وبتبجيل الماضي ومقاومة التغيير واعتبار ان شرف المرء يتمثل في القوة التي يمارسها، وكل هذه الاسباب التي يسوقها باتاي يؤكد انها تطرح في سياق الجدل الثقافي ولا ترجع بتاتاً الى اسباب عنصرية وانما لاسباب ثقافية بحتة.

يقوم الكتاب على مبدأين يدعى باتاي سيادتهما على العقل العربي اولاً- ان العرب لا يفهمون سوى منطق القوة وثانياً- ان اكبر نقاط ضعفهم هما العار والاذلال. لا عجب اذاً ان يفرد باتاي (25) صفحة من كتابه لفصل كامل عن مفهوم الجنس عند العقل العربي. وقد استلهم حراس سجن ابو غريب تعاليم هذا الفصل في اتباع اسلوب الامتهان الجنسي باعتباره الوسيلة الاكثر فاعلية لقمع المعتقلين العراقيين، اذ ان الجنس عند العرب وفقاً للكتاب، قضية محظورة ترتبط بالشعور بالعار والكبت والعجز تصيب المواطن العربي في مقتل.

يسيطر على العرب وفقاً لباتاي ازدواجية في السلوك وهوس بالجنس، ولذلك فانه ما اجتمع رجل وامرأة الا وكان الشيطان ثالثهما وهي مقولة سودانية عربية استمدها باتاي من احد مصادره المطلعة، الفصل بين الجنسين وحجاب المرأة والعديد من تفاصيل القوانين التي تحكم الاتصال بين الرجل والمرأة تجعل من الجنس هاجساً عقلياً رئيساً في المنطقة العربية.

وعليه فان هذا الكتاب يعد امتداداً لتأثير ألف ليلة وليلة السلبي على صورة العرب في التاريخ فهو لا يرى في المجتمع العربي الا ما تصوره القصص الشعبية الرخيصة والاقلام التجارية وبالتالي يرسخ رؤية الغرب للعرب كأنصاف بشر عنصريين وبدناء ومهووسين بالجنس.

يستهدف كتاب باتاي تحديد بعض الملامح النمطية الرئيسية لما يسميه بالعقل العربي مفترضاً وجود مثل هذه الملامح حتى مع وجود التباين الاقليمي والبشري بين اجزاء الوطن العربي المختلفة.

يبدأـ باتاي كتابه بخدعة تقليدية تستهدف تصديق القارئ له وهي الزعم بأنه قد تعلق بالعرب وكل ما يمت اليهم بصلة تعلقاً رومانسياً منذ نعومة اظفاره ويخصص المؤلف العديد من الصفحات ليشرح لنا كيف نما حبه للعرب وكيف شرع في استكمال دراسته للغة العربية ولا يحتاج القارئ الى بذل جهد خارق ليدرك ان ادعاء باتاي اتقان اللغة العربية لم يعفه من التردي في عدد لا يستهان به من الاخطاء اللغوية.

يقول باتاي في مقدمة الطبعة الاولى الصادرة عام 1973. عندما يتعلق الامر بالعرب فلا بد لي ان استسلم لرومانسية لا شفاء منها والدليل على هذا ما اظهره باتاي من تعاطف ودفء في التناول تجاه العرب

وتنبؤ للعرب باستعادة مجدهم الزائل شريطة ان ينبذوا هوسهم بكراهية غير مبررة للصهيونية واسرائيل والولايات المتحدة الامريكية.

لا مفر اذاً من ان يعتبر المحافظون الجدد هذا الكتاب توراتهم المقدسة ويصدرون الاوامر لقوات المارينز بقراءته، اذ يقترب بهم من واقع افتراضي للعقل العربي حيث الخيمة والجمل والنفط والحرم والبداوة، ولا عزاء عند ئذ لحضارة امة (اقرأ).

تنقسم طبعات الكتاب الصادرة منذ 1973، 1980، 1984، 2007، الى عدة مقدمات وستة عشر فصلاً وثلاثة ملاحق وخاتمة.

يبدأ الفصل الاول بدخص اقتباس من كتاب – فلسفة الثورة – للزعيم العربي جمال عبد الناصر، يؤكد فيه موقع مصر المركزي في ثلاث دوائر عربية واسلامية وافريقية، وينفي باتاي مزاعم جمال عبد الناصر حول علاقة مصر بافريقيا ويشكك في وجود أية صلة بين الدول العربية الواقعة في شمال افريقيا وبقية القارة، بل يجنح به الجنون الاكاديمي يشكك في علاقة السودان بالوطن العربي، ويقدم مشروعه البديل المتمثل في سودانيين احدهما عربي والآخر افريقي.

وعودة الى مصر فان باتاي يرى ان خضوع مصر السريع للحملة الفرنسية قد تسبب في انكسار الهمة الوطنية منذ ذلك التاريخ والى العصر الحديث.

وفي الفصل الثاني حدد فيه ماذا يعني بالعقل وماذا يعني بالعربي، وبالتالي العقل العربي، الذي عرف صفاته ومميزاته وخصائصه.

وفي الفصل الثالث تحدث عن تربية الطفل في الوطن العربي، فيوضح اختلاف المعاملة بين الابناء والبنات منذ الولادة والرضاعة حتى يبدأ الابن في الانتماء الى عالم الرجال، والبنت في الانتماء الى عالم النساء. ويشرح بعض تأثيرات ذلك على السلوك في المجتمع، وتوزيع انماط السلطة والمسؤولية بين الاعضاء من الجنسين.

وفي فصل (الرابع) بعنوان تأثير اللغة، يكرر المؤلف الكثير مما سبق قوله حول عيوب اللغة العربية. وتجدر الاشارة في هذا الصدد الى انه وان كانت بعض ملاحظاته صحيحة في جزيئاتها، فان النغمة العامة التي تتخلل التحليل، مرفوضة لما فيها من تشكيك بقدرة اللغة العربية على التعبير الدقيق ومواجهة متطلبات العصر. ومهما قيل في هذا الخصوص فمن غير الممكن اثبات… شعباً معيناً قد تخلف لصعوبة لغته او لعدم خضوعها لقواعد المنطق، وان شعباً آخر، كالشعب اليهودي، كما يزعم في مكان آخر قد تقدم لعكس هذه الاسباب.

ويقول باتاي، ان اللغة العربية سحرها وفتنتها بالنسبة لمن يتقنها. وان الناطقين بلغة الضاد يعتزون ويفتخرون بها اكثر مما تفعل الشعوب الاخرى.

ثم ينتقل بعد ذلك الى تحليل بعض خصائص هذه اللغة، ومن ذلك الخطابية والمبالغة وزيادة التأكيد وكثرة التكرار، ويزعم المؤلف ان العرب كثيراً ما يستعيضون بالاقوال عن الافعال، وكلما زاد حماسهم في الكلام تزايد احساسهم بأن ما يريدونه على وشك ان يحدث او انه قد حدث بالفعل.

ويتناول المؤلف بعد ذلك موضوع الازمنة والافعال في اللغة العربية، وهو يرى انها مرتبكة، ويعزو ذلك الى عدم اهتمام العرب بعامل الوقت ودقته واحترامه. ويذهب باتاي الى حد القول ان اللغة العربية لا تعرف الماضي والحاضر والمستقبل، ويؤكد بأن اللغة لن تفي بمتطلبات الحياة العصرية ما لم تتدارك هذا القصور الفاضح.

ويخصص باتاي فصول كاملة (الخامس والسادس والسابع) للحديث عن تأثيرات الشخصية البدوية على العقل العربي ومدى ما اورثته له من صلابة روح الجماعة ومن قيم هامة كالكرم والشجاعة والشرف واحترام الذات.

ويتطرق لموضوع الجنس عند العرب (الفصل الثامن) فيرى ان ثمة قدراً لا يستهان به من الكبت الجنسي مقترناً ببعض صور التنفيس غير المباشر. كما يرى ان السلوك الجنسي للعرب مزدوج ومختلط، ففي الوقت الذي يعتبر فيه مجرد التلميح للجنس في العلن وبحضور الجنسين، انتهاكاً صارخاً للاخلاق. فأن الحديث المستفيض عن هذا الموضوع بين الجماعات التي من نفس الجنس او ممارسة كافة فنون الجنس بين الرجل وزوجته لا تخضع على الاطلاق لاي جرح او تقييد.

وينتقل باتاي بعد ذلك الى الحديث عن دور الاسلام (الفصل التاسع) كعنصر رئيسي في تكوين الشخصية العربية مظهراً اهميته الكبرى ومردداً الآراء التقليدية عن تواكل العرب وقدرتهم وعدم قدرتهم على تغيير ما بأنفاسهم لئلا يتعارض ذلك التغيير مع ما يريده الله.

ويقرر باتاي في هذا الصدد، ان العقل العربي محكوم بالاسلام قد اتجه الى المحافظة اكثر من الابتكار والاستمرارية اكثر من المبادرة.

ويعالج باتاي كذلك موضوع العواطف والانفعالات عند العرب (الفصل العاشر) مشيراً الى تطرفها وجدتها وصعوبة التحكم فيها. ويذهب الى حد القول بأن الكراهية متأصلة عند العرب لدرجة ان من السهل ان ينفلت عيارها. ومرة اخرى يلجأ باتاي الى ربط ذلك بفكرته الاساسية عن عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين الافكار والكلمات والافعال في العقل العربي.

وينتقل باتاي الى موضوع الفن والادب والموسيقى عند العرب (الفصل الحادي عشر) مشدداً على اهمية التكرار والاغراق في التفاصيل، وموحياً بأن فرص التجديد والابتكار في هذه الفنون محدودة للغاية بسبب الانماط السائدة حالياً.

ويتبع المؤلف ذلك بفصل (الثاني عشر) عن الازدواج اللغوي عند العرب، يقصد اجادة لغة اوروبية او اكثر الى جانب العربية، زاعماً ان مثل هؤلاء العرب يعيشون على هامش المجتمع العربي الكبير، وانهم يعانون

من ازدواجية ثقافية تؤدي ضمن ما تؤدي اليه الى الانفصام الثقافي بين النخبة والجماهير بل الى انفصام الشخصية العربية.

وفي الفصل الثالث عشر تناول باتاي مسألة الوحدة العربية والتناقضات بين التأكيدات المتكررة للوحدة العربية والخصومات المتواصلة التي تميز العلاقات العربية – العربية.

واشار باتاي في الفصل الرابع عشر، حل النزاعات وعقد المؤتمرات، الى ان المجتمع الذي تغلب عليه المنازعات يجب ان يطور اساليب عملية لحل الخلافات التي اذا ما سمح لها بأن تفلت من زمام اليد فانها يمكن ان تدمر التركيب الاجتماعي كله، وكانت الوساطات في الوطن العربي على المستوى العائلي/ العشائري تمثل الطريقة التقليدية لحل المنازعات وان نفس الطريقة في العصور الحديثة جرى تبنيها لحل المعضلات السياسية والعسكرية ضمن وبين الاقطار العربية.

ويزعم باتاي ان احتكاك العرب بالغرب (الفصل السادس عشر) ادى الى نمو عقدة الشعور بالنقص عند العرب، ادى بدورها الى مزيد من الصعوبة في التخلص من قيود التخلف السابق… وقد زاد من صعوبة الموقف، ان العرب استمروا يحكمون على انجازاتهم بمعايير الغرب وتقدمه، مما ادى الى مزيد من الاحباط والشعور بالألم لديهم وأبعدهم عن الاعتماد الكامل على مواردهم الخاصة.

لقد حاول باتاي – وحقق نجاحاً – في بيت الوقيعة بين العرب والغرب موحياً للأولين بأنه يتعاطف معهم وأنه يريدهم ان يعتمدوا على أنفسهم وعلى تقويمهم لانفسهم وفقاً لمعاييرهم الخاصة وموحياً للآخرين بأنه يفهم جيداً لماذا يكرههم العرب الحاقدون على تقدمهم العلمي والتكنولوجي وازدهارهم الاقتصادي/ الاجتماعي.

هذا الكتاب ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، يتظاهر بالحرص على توخي المبادئ الاكاديمية والتزام المعايير المنطقية في تحليل الآخر وليس استلهام نمط العقلية الامريكية في التعريض بالآخر بينما حقيقة الامر ان تلقف هذا الكتاب فريق المحافظين الجدد لكي يصبح توراتهم التي في ضوء نهجها احتلت العراق.

الكارثة، ان هذا الكتاب ومن يروج له يتظاهر بأنه مرجع قدير لتقديم يد العون للمواطن الغربي الذي ابدى رغبة صادقة في فهم تلك المنطقة وعقيدتها الراسخة (الاسلام) ومن خلال اسلوب جزل لا يستغلق على القارئ الذي يستمتع عبر سرد شائق من معلومات مثيرة للاهتمام تتناول عقلية الاستشهادي والجهادي والارهابي والبدوي والازدواجي او في كلمة واحدة (العربي).

ان قراءة هذا الكتاب واجب على كل مثقف عربي، ذلك انه نموذج للكتب التي تحتوي على قدر كبير من المعلومات الصحيحة في تفاصيلها الصغيرة، وفي الوقت نفسه فانها مغرضة في مدلول رسالتها العامة، واعتقد بأن هذا النوع من الكتب بالذات هو الذي علينا مواجهة الكثير منه في المستقبل القريب.

* الكتاب:

The Arab Mind, Raphael Patai, charles scribner’s sous, New yourk, 1973

الكتاب ترجم من قبلنا وصدر عن مكتبة مصر/ دار مرتضى ، بغداد/ القاهرة، ونشر عام 2009.

*[email protected]

 

أحدث المقالات