23 ديسمبر، 2024 6:01 ص

أثارت السيدة رغد صدام حسين لغطاً كبيراً بين العراقيين لدى بث مقابلتها مع قناة ” العربية ” فبعض ردودها على أسئلة حساسة كان غامضاً مثل استعدادها للقيام بدور سياسي في العراق وبعض ردودها كان مستفزاً وخاصة عندما صوّرت شقيقيها و رجال عائلتها “عمالقة ” و” أسياد البلد “في حين أنه كان يفترض بها – وهي توحي للمشاهدين بأنها تتهيأ لدور قيادي في العراق – أن تبتعد عن هذا الموضوع المحرج و المغيظ لغالبية العراقيين الذين يعرفون يقيناً الوزن الأخلاقي لهؤلاء ” العمالقة ” وبالذات شقيقها عديّ الذي لا تستقيم عند ذكراه مقولة ” اذكروا محاسن موتاكم ” فالرجل خلا من أية محاسن بالمطلق . وقد شددت السيدة رغد على أنها غير بعثية ولا تنمي لأي حزب وهنا تثار بضعة أسئلة : كيف لها وهي التي ترعرت في وسط بعثي بامتياز أن تنأى بنفسها عن الحزب ؟ وقد يقال هنا أنه من حقها أن تعتنق فكراً مختلفاً لكن ما هي المقدرة العلمية والثقافية للسيدة رغد وما هي تجربتها الميدانية التي تؤهلها لتحمل فكراً ما ؟ ثم ما العيب في أن يكون العراقي أو العربي بعثياً ؟ إن حزب البعث حزب عريق ألهب همة و نضال ملايين الشباب العربي و دفعهم لإعطاء الأولوية في حياتهم لقضايا أمتهم و توفير الحياة كريمة و العدالة اجتماعية لشعبهم وتهيئة كل ما يرفعه إلى مصاف الشعوب المتقدمة ، لكن هذا كله كان قبل أن يجري اختطاف الحزب عام 1979 و تصفية قياداته التاريخية !! والمسألة التالية التي تطرح نفسها هي إذا كانت السيدة “رغد ” بعيدة عن أي انتماء حزبي فما هو برنامجها السياسي و على أي دليل نظري و منهج سوف تباشر مسيرتها نحو السلطة – كما ألمحت – وبأية أدوات ؟
منذ قيام المجتمعات الإنسانية تصدّت شخصيات نسائية لقيادة شعوبها فحدثنا التاريخ البعيد عن “بلقيس ” ملكة سبأ ، وعن ملكة مصر” حتشبسوت ” و” كليوباترا ” كما عرف التاريخ الحديث قيادات نسائية متميزة مثل زعيمة الهند ” أنديرا غاندي” و زعيمة الفيليبين ” كورازون أكينو ” و رئيسة الوزراء البريطانية ” مارغريت ثاتشر ” و ” أنجيلا ميركل ” زعيمة ألمانيا ، وقد أدّين جميعهن دوراً تاريخياً في بلادهن ، لكنهن جميعهن كنّ منتميات لأحزاب شعبية عريقة رفعتهن إلى سدة الحكم وكنّ يحملن فكراً و عقيدة سياسية و طبقن في ممارسة السلطة برنامجاً شاملاً اعتمده الحزب الذي يتزعمنه وحاز قبول أغلبية شعبية جعلت منه الحزب الحاكم ؛ والسؤال المشروع هنا أين السيدة ” رغد ” من هذا كله ؟
وقد طغى الجانب الشخصي على حديث السيدة ” رغد ” لأنها لديها ما تقوله بهذا الصدد في حين أن ذخيرتها شحيحة في الجانب السياسي واقتصرت على توجيه الشكر لهذا النظام العربي أو ذاك ، بيد أنها في الجانب الشخصي جانبت المعقول والمنطق ، فهي تكيل المديح لزوج رفعه والدها من حضيض السلّم الإجتماعي إلى قمته ومع ذلك فقد تآمر عليه وانحدر إلى مستوى التعاون مع الأجهزة الأمنية المعادية للعراق وليس فقط للنظام ، بل الأسوأ من ذلك أنه خان العراق بكشفه كل الأسرار الحيوية التي تمكن من الإطلاع عليها بحكم المناصب الرفيعة التي قلّدها إياه ” عمه ” في واحدة من شطحاته بل خطاياه بحق العراق . فات السيدة ” رغد ” أن الرئيس صدام حسين اكتسب شعبيته بين العراقيين عندما تصرّف كواحد منهم لكن من الموقع الأعلى فحصد الحنطة مع الفلاحين و شارك الطلاب حصصهم الدراسية و افترش الأرض مع رجال العشائر ودخل بيوت الناس مظهراً الإهتمام بمستوى حياتهم و كفايتهم ، ولم يبدأ رصيده الشعبي بالتآكل إلا عندما ظهر علينا كسليل عائلة مالكة فركب عربة مصنوعة من الفضة الخالصة تجرها الخيول محاكياً الأسر الملكية الأوروبية ، و تناثرت الروايات عن بذخه و عائلته ، وقد كانت مفردات حديث السيدة ” رغد ” طافحة بالتعاظم وكذلك لهجتها و لغة جسدها وكأنها سليلة ملكية عريقة ، و قد يقنع سلوكها هذا مجتمعات مجاهل إفريقيا لكنه بالقطع سلبي المردود ليس عندالعراقيين فقط ولكن لدى كل يحمل قدراً من الثقافة و الإلمام بتاريخ منطقتنا ، وختمت السيدة ” رغد ” حديثها بموشح عن عراق مثالي أسطوري هوحقيقة غير العراق الذي أمضينا عمرنا فيه وعن رجال أشبه بالأنبياء لكننا عرفناهم على مدى أربعين عاماً – باستثناء أبيها – حثالات ، ربما هو مجرد تشابه أسماء !!