اجرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي امتحانا للمتنافسين على الدراسات العليا في مختلف التخصصات العلمية والانسانية، ولوحظ ان كثرة المتقدمين للحصول على المقاعد الدراسية، فاقت اعدادهم بثمانية اضعاف ما هو مخصص.
الاقبال على الدراسة العليا من الماجستير والدكتوراه مؤشر على اعادة الاعتبار والاهتمام في التحصيل العلمي العالي والمكانة التي تحتلها في المجتمع بعد ان شهدت البلاد في سنوات الحصار العجاف ابان الحكم الصدامي تدنياً في نظرة المجتمع للشهادات وشاع بين الناس انها (لا توكل خبز) والان تستعيد هذه الدراسات مكانتها لكون الحائز عليها يرتفع شأنه ويستطيع ان يحصل على فرصة عمل بيسر وسهولة اكبر من الشهادة الجامعة الاولية، والبطالة بين الخريجين من هذه الفئة تكاد ان تكون معدومة، والبلاد بحاجة الى تخصصاتهم في مختلف ميادين العمل.
هذا الاتجاه الصحي والمثري للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يعد من اهم عوامل التطور والنمو. وهذا الاقبال على التعلم ينبغي ان يكون على وفق استراتيجية شاملة واشباع حاجة سوق العمل الحكومي والقطاع الخاص كي لا تجد الحكومة بعد سنوات انها غير قادرة على توفير فرصة عمل لهؤلاء، وتواجه تحدي البطالة في صفوفهم. البلدان المتقدمة والمتطورة لا تعاني من هذه المشكلة وتداعياتها، وذلك لان الدراسة في كل المراحل والتخصصات مفتوحة وغير مقيدة بسن معين، وانما الرغبة لوحدها تشكل التطوير الذاتي وتمنحه الدافع الاساس للاقبال عليها، حتى ان الدولة او الشركات الخاصة لا تترتب عليها أي التزامات فيما اذا حصل احد العاملين فيها على شهادة اعلى الا اذا كان ذلك بتوجيه منها.
من هذه التجربة وغيرها يمكن لنا ان نستفيد ونتوسع في سياسة القبول، ونوفر الدراسة لكل راغب فيها من دون ان تكون هناك التزامات تثقل على الجهات الحكومية، الى جانب تكوين فئة من حملة الشهادات العليا في البلاد تسهم في التأثير النوعي والجيد في المجالات كافة، وبالتالي تشجع روح البحث والابتكار والابداع الذي لا غنى عنه لتقدم وازدهار العراق وتجاوز تخلفه والاسراع في بنائه وتعويض ما فاته جراء السياسات المقامرة والخاطئة والحروب الداخلية .
ان أي بلد ينشد الرقي عليه ان يستثمر رغبة ابناءه في التعليم ، واليوم، نؤكد مرة اخرى على ان هذا الاقبال على الدراسات العليا ينبغي استيعابه وان لا نحدد الاعداد بحد معين، علينا اطلاقه كي نستغل هذا الميل الصحيح لدى المواطنين والذي بدوره سيؤثر على المراحل التعليمية الاخرى.