{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إنشاء الله}
آهة حرى، تختلج في الحشى، تكوي أثير الروح، الساري في البدن؛ حزنا لفراق رجال صارت جماجمهم الطاهرة، درعا زمنيا يطيل أمد الحكم البعثي، الذي سلط الطاغية المقبور صدام حسين، كابوسا على الشرفاء.. نقمة حلت على النبلاء المؤمنين بوطن كريم، يحنو على أبنائه، من دون ان ينكل بهم: سجنا وإعداما ووقودا لحروب هوجاء.
فكلما تخلص النظام الغابر، من رجل شهم ومعارضٍ واعٍ، ضمن إدامة سلطته، باسطا سطوة الشيطان على أرض الرحمة!
وما الشهيد رعد شاه مراد مالك سماك، ذو الخمسة وعشرين ربيعا، إلا إنموذجا مشرفا للمواطن الذي جاهر بعراقيته فإعتقل!
ألقي به رهن طوامير الأمن العامة، التي ورد اليها من مديرية أمن الكوت، حيث يسكن! ولم يسمع صدى لإستغاثاته.. يستجير برب العباد ورسوله وآل البيت؛ فلا يجاب الا بالـ “صوندات” والتعليق بالمروحة مقلوبة، تدور به، فتنسكب الدماء في عينيه، متسببة بغشاوة مؤقتة لا تزول الا بعد حين.
قاض صوري، على رأس محكمة لاتحق حقا ولا تفند باطلا، حكمته الإعدام الذي نفذ به، العام 1981؛ لكونه “كردي فيلي” ولم تجرؤ أية منظمة إنسانية في الكون على مطالبة “قضاء صدام” بنص قانوني يجيز إعدام إنسان لنسبه! وهل كونه كرديا فيليا جريمة تستحق الأعدام!؟
لكن لا أحد يتطاول.. حينذاك، على مناقشة قضاة الطاغية، في ما يجتهدون من جور غير منطقي؛ لأن محيطه جنون وهوس وسعار ضاري الانفعالات.. “حدث العاقل بما لا يعقل؛ فلا عقل له” والعراق مشفوعا بمحيط دولي، جن جنونه ضد الشعب العراقي، يوهيه قوة لصدام؛ فكلما وهن الشعب، إستقوت الحكومة المنصّبة عليه ظلما، وسلطة الظالم تدوم على قدر ضعف المظلوم.
ولد الشهيد سماك العام 1956 شابا لم يبلغ مرحلة القناعة بالزواج، متفرغا لمعارضةالديكتاتورية، من موقعه العسكري، بجرأة منقطعة النظير.
لم يجدوا لديه تنظيما معارضا، لكنهم وجدوا شخصه نافر الشكيمة.. عفيفا عزيز النفس عن الخضوع لجبابرة يستزلمون الرجال، إستخذاءً.
وحين لم يجدوه منتسبا الى منظومة حزبية، تخضع لشريعة دستورهم المفتعل، الذي يبدأ العقوبات بالإعدام “ولا تنتهي به” إذ أدانه القضاء بكرديته، وأعدم لأنه فيلي!
فاق الطاغية منطق الموت هوسا، أحال سماك الى بطل، سقت دماؤه بذرة الحرية، التي غرست في ثرى الرافدين، منذ عصور، وتفتحت بعد 9 نيسان 2003، برغم الفرصة الطيبة التي فرط بها السياسيون، محيلين التحرير الى علقم بدد فرحتنا بالخلاص!
يا بئس ما فعلوا!
ولأن “العقوبة تبدأ بالإعدام ولا تنتهي به” في العراق آنذاك؛ فقد لاحقت أجهزة الأمن أشقاءه.. طردا من الوظائف، وشقيقاته بالطلاق من أزواجهن!
“دارت على قلبي الرحى
ويد الزمان على الرحى
لكأن في صمت الرحى
كان الطريق
خصرا وزنارا يضيق
حتى إمحى”.