23 ديسمبر، 2024 10:49 م

رعد زامل يستغيث للأسماك بحسية الاختلاف و المشاكلة

رعد زامل يستغيث للأسماك بحسية الاختلاف و المشاكلة

( التفاعل المشهدي و خصوصية الاقتراح )
البصرة

ان القراءة النقدية لقصيدة مشروع ديوان ( انقذوا اسماكنا من الغرق ) للشاعر رعد زامل ، تتطلب و تتسع لمنهج تكويني خاص من شأنه معاينة ادوات وظيفة واقع تلك القصيدة البيئية، بيد أننا و نحن نطالعها صارت تساورنا ، العديد من الاحتياجات المفهومية التي خلفيتها الاساس : ( المكان / الواقع / المادة المخيالية / الاداء ) . و لكن ثمة امرا ما ، جعلنا نواصل قراءة تلك النصوص و تحت سقف من المراجعة و التدقيق ، على ان تلك النصوص ما هي ألا انطلاقات خطابية بيئية خصبة من بنية أزمنة ذاكراتية موغلة بعلامات الاستغاثة و تساءل و طلب النجاة . من هنا لعلنا إزاء قصيدة من مكونات الاستنساخ الوصفي للواقع اليومي ، الذي هو موجود في كل مكان من مناطق الجنوب ، ألا ان هناك في قصيدة رعد زامل ثمة حالة من حالات هوية المعنى المسكوب في أصوات قصائد هذا الشاعر الجنوبي الأصيل ، الذي في الواقع له باع طويل و مؤثر في كتابة القصيدة المتخيلة ، بموجب استشرافات من منظور الذات الاستثنائية الراصدة بمدلولها بوتقة تراسلية الدلالات العضوية الناضجة :

تطفو جثثها

على الخريطة

تبحث عن نهر

لا يهددها بالعطش

بينما البني

و قبل ان تتغرق مياهه

في السواقي

و هو ( أبونا )

الذي ندعوه بالجنوب .. ص55

من بنية تطارحات دلالات هذه المقاطع ، نكتشف موصولية لغة تجربة قصيدة الشاعر ، و هي تدس ذاتها في أرض تحولية الاستعارة ، و متعددة الاداة ، ذلك من جهة ثبوتية حركية دوالها السياقية في رسم ابعاد معطياتها التحققية في صنع الدلالة . فعلى سبيل المثال ، نلاحظ كيف هي بنائية جملة ( تطفو جثثها ) حيث تحقق ثمة هيمنة خاصة و حدود علاقة جملة ( على الخريطة ) حيث ان المتلقي لها سوف يحاول من خلالها تحريك منطقة المسكوت عنه ، ليرى بعد ذلك ماهية لفظة ( تطفو ) و هي تتخذ لبنية معلومها الاخباري ثمة محطة التقاء دخولي مباشر مع لفظة دال ( جثثها ) . ان تصاعدية هذه الدوال في ترسيمة هذه الفقرات من المقاطع ، راحت تجاذب لذاتها محفزات التلقي الاول في النص ، لتتناسب و اياها دلاليا في جملة ( تبحث عن نهر ) و جملة

( لا يهددها بالعطش ) . و بهذا الشأن المقطعي اللاحق ، صار لدينا تشكل محوري خاضع لوحدة خطاب تصاعدي متأزم ، بحاجة إلى مرحلية صورية اتساعية مؤثرة ، من قيمة عتبات المحكي الاول من المقاطع : ( و هو أبونا / الذي ندعوه بالجنوب ) . و على هذا النحو صارت المقاطع من

الاشباع الوصفي بالموصوف الدال ، على نحو جعلها مستوعبة من لدن القارىء ، لمهام نسقية الدال و المدلول و الاشارة الاحالية من جملة زمن النص الاولى : ( تطفو +جثثها + الخريطة + نهر + أبونا = الجنوب ) . من هنا تتضح سلسلة المتصورات في الخطاب ، لتعكس قرائيا مثل هذه التوزيعية السيميائية ، و بموجب استطلاع ادراكي واضح الابعاد العلاماتية :

ليس من الفجيعة

ان تلقى

الوردة حتفها

في أول الربيع

لكن الفجيعة ..

ان تذبح الوردة

و لا شيء يبرر

سفك دمها سوى العطر .. ص 75

ان القصيدة لدى رعد زامل ، تبدو أحيانا عبارة عن توازيات محكومة داخل حركة تجليات متقلبة الاحوال و غريبة التوصيف و الاستدلال المدلولي . فمثلا نعاين هذه المقاطع

( ليس من الفجيعة / ان تلقى / الوردة حتفها ) . فهذه الرسومات الصورية في حركة دلالة النص ، لربما تتبادر و تتوارد ، بمسميات مؤسطرة من زمن الموعظيات و القوالب المثلية القبلية من الكلام الشفاهي ، حيث ان القارىء لها ، يجدها أحيانا بمعزل عن خاصية حساسية المخيلة الحداثوية ، التي تمتاز بوظائف الاحالة في القول المقصدي في النص : إذ

نجدها من جهة دلالية أخرى ، كأنها مجرد صيغ تعبيرية جاهزة ، ذا مستويات استجابية محدودة من زمن عائدية كلام رمزي قديم المقولة ، و ليس من جهة ما ، كحالة من حالات التكيف الحيوي في تشكيل المدى الدلالي البعيد . و لكن عندما نقرأ هذه المقطعية ( و لا شيء يبرر / سفك دمها سوى العطر) . نتنبه بشكل فوري إلى ان هناك حالة جدوى رائعة من حجم تصديرات ذلك القول الاول و دوافعه ، و هذا بدوره ما راح يضع موجهات النص الملفوظية ، نحو مسؤولية تضامنية مشتركة و منطقة انكشاف الدال المخبوء في سياق صلب الخطاب العام في النص :

ليس لي سوى

أمل بسيط

تحتضنه دجاجة الماء

منذ ربع قرن

غدا ..

يفقس أملي هذا

ربما يصبح شجرة

أو

قنبلة هناك

في القرى الأسنة

القرى التي

تنام على القصب .. ص43

يمكننا ان نلاحظ بأن مستويات التداخل الاحالي في قصيدة الشاعر ، يمض نحو مواقع اختلافية من مفهومية رؤية

( التضمين الفاعل ) و إلى حد شعورنا بأن ما تقوله القصيدة ، ما هو ألا كلام تراصف يساق مساق مقيد بحدود مختلفة من صناعة و تشخيص الحالة المشهدية في القصيدة . فمثلا نعاين هذه الجملة ( ليس لي سوى ) . فهذه الصيغة الاحالية من زمن تراصف الملفوظ ، راحت تقدم السياق الوصفي و الاخباري بموجب وحدات من المستوى الاختلافي من وحدة الحصول التداخلي في الفعل المختلف في الجملة الشعرية ، و إلى حد حصول المباغت من زمن الاقتراح اللامعنون من جهة صلة الاشياء و خط وصلها . غير أننا في الآن نفسه ، نلاحظ ما هو حاصل في هذه المقاطع ، مما جعل مشهدية الفقرة الصورية تنساق نحو موافقة اقتراحية موفقة في النص : ( منذ ربع قرن/ غدا / يفقس أملي هذا / ربما يصبح شجرة ). فأذن هنا تتضح حلولية الدال الرئيس ، و هو قد جاء تصريحي الاحالة و بموجب زمن تواردي مصحوب بمؤشرات ظرفية و شيئية مفتوحة الشفرة الصوتية : ( منذ / قرن / غدا / أملي ) . و بهذه الصورة الاستشرافية التفكيكية ، بات الشاعر له مطلق العناق و العنان مع دواله و شبكة فضاءاته المتحاورة مع اجابات مقترحاته التساؤلية الاختلافية .

لن أحفرة لك قبرا

بل سأحملك

كهدهد بار

إلى أبي ..

لأنك شاهق كبرج

و لا تؤمن بالطيور

فسوف تسقط

عما قريب

بأصابع أكلها الندم

سأكتب عن النخيل

الذي تركته

يهرول وراء الثكنة .. ص40

ان الزمن الشعري في هذه المقاطع من القصيدة ، قد جاء تعاقبيا ، ليمضي بلا سلطان في مجالات متقاطعة .

( الذات / المتصل / التوقف / الاستفسار ) . بل ان القارىء لهذه القصيدة ، لربما سوف تساوره الاحاسيس العميقة و الرؤى الايحائية ، القادمة بجملة مقصديات متعددة ، بل ان القارىء سوف يغدو مستغربا لما يقوله الشاعر في هذه القصيدة التي رسم لنا الاشياء من خلالها ضمن مقايسات

بارعة الترابط و التدليل البرهاني ، بماهية كيفية ما عليه زمن الابوة و زمن الأمومة في حوامل مجتمعاتنا الجنوبية . و في الختام لا يسعني سوى توجيه الشكر و التقدير للشاعر العزيز رعد زامل ، لأنه قد تذكرني و هو في مدينة اخرى ، ليهديني نسخة من ديوان قصائده الجميلة ، حيث أجدني بالتالي أقول له و إلى قارىء قصائد هذا المنجز الرائع : الابداع الشعري كلمة يصعب بلوغها و قولها عن أي تجربة شعرية أو شاعر ، و لكن نحن عندما قرأنا قصائد ( رعد زامل ) وجدنا أننا منجذبون إلى منجز هذا الشاعر ، و دون ارادة منا نحو ثراء خطاب و جمالية دلالات القصيدة لديه : ولا أعرف ما سبب ذلك ؟ ألان هذا الشاعر قد جسد صورية وخطاب قصيدة الجنوب و بكل حذافيرها الشكلية و الموضوعية و الكيانية ؟ أم لأنه ضمن أبعاد دلالاته بما يتوافق و علاقات عضوية النص بكافة استجاباته الحسية فينا ؟. ان قصيدة ( أنقذوا أسماكنا من الغرق ) ما هي ألا زمن شعري راح ينظم الصور

و مداليلها بموجب فاعلية أصوات الاشياء الانزياحية الغارقة بشعرية التصورات المتكاملة من ذواتنا المتصلة بأحاسيس الواقع من حولنا ، أنه منجز شعري ذو لحظة موضوعية و قصدية مؤثرة فينا بدلالات الاختلاف و المشاكلة القائمة في أفق الاقتراحية المخصوصة في خطاطة بنيات الدوال الشعرية الجادة .