يشهد العالم تحولات تكنولوجية واتصالية، عقب دخول تخصصات مختلفة لا حصر لها في علوم الاتصال والاعلام، من صحافة البيانات، إلى التحقق، إلى صحافة الموبايل والرقمنة الاتصالية ثم صحافة الحلول، وصولا الى أكثرهم إزعاجا ومنافسة للصحافيين وهو “الذكاء الاصطناعي” ويوصف بالشبح الذي قد يهدد وظائفهم بالزوال.
قلق كبير بدأ يحاصر الصحافيين الذين خاضوا لفترات طويلة ملوكا “بتاج الأقلام” لا يصارعهم أحدا لا ذكاء اصطناعي، ولا روبوت ولا حتى الدرون، فمع صانع القصة الصحافية، انبرت خوارزميات تشاركه صناعة القصة والخبر وتجميع المعلومات برمشة عين فلم يعد الحاجة الماسة للمحرر وسكرتير الأخبار ومشاكساتهم الصباحية، وكذلك وصلت أمواج الروبوتات نحو عدسات المصورين السميكة، فهو الآخر لا بد أن يقلق، فتسونامي الروبوت وصل الى عتباته فهو ليس بمأمن ! فالروبوتات انبرت لتصور باحترافية أخذة بعين الاحترافية والدقة أكثر من ذي قبل بأضعاف .
يا لهول العالم وهو يعيش مرحلة النسف ! والخطورة التي لم تخطر على البال، فالموج وصلت حتى لمذيع الأخبار، فهل يستمر داينمو الاقتلاع نحو هذه الوظيفة! ليحل محل المذيع ، جمال ريان واناقته ومحمد كريشان ولغته الانيقة وجمال منتهى الرمحي،بمذيع اصطناعي( المذيع المتطوع) الذي وصل الى عتبات المؤسسات الإعلامية ودق جرس انذار كل من يمتهن الصحافة والاعلام ، فهذا الروبوت لا يطلب أي شئ لا مرتب شهري ،أو سيارة فاخرة ،أو شراء بدلة الايطالية!
مرحلة التحول الاتصالي ، أضعفت سلطة الصحافي، فسحبت بساط القوة منه، أو لنقول “تم تحجيمه” فسلطته كان يمارسه بدون أن يصارعه لا أتمتات ولا خوارزميات ولا روبوتات ولا درونات ولا فيديو غرافيات ولا ولا … على عرشه الصحافي، وتنافسه على صناعة وعرض المحتوى الإعلامي، فقد عاش لسنوات طويلة هو المدلل، وهو من يصنع ويجمع وينشر على مزاجه، فهل نحن بمرحلة الانقضاض عليه أو هل انتهت مقولة “لا سلطة تعلو على سلطة الصحافي”. فالخشية أن نصل الى مرحلة الوجود واللا وجود بفعل الذكاء الاصطناعي ومشتقاته، فنحن نعيش بعصر “التيه الاتصالي” الأديبة أحلام مستغانمي!
التحديات الجديدة الأخرى التي تواجه ممارسي مهنة الصحافة تتجسد بمدى الإلمام بمفاتيح الصندوق الأسود للخوارزميات، وإمكانية فهمها، فأصبحنا نفكر في امكانية “ترويض الروبوتات”، بما يناسب رغبات الانسان، والحد من هيمنته على العقل البشري، أو بالأحرى عدم تشكيله الخطورة ضد الانسان ، فهو بالنهاية ليس عقل بشري انما خوارزميات قد يفقد السيطرة عليه ،عبر خطأ أو سهو تقني ،فيقوم باختراع المعلومات غير الصحيحة، ونشر الشائعات والموضوعات الحساسة، وهذه المخاوف موجودة بأضعاف مضاعفة في بقية الاختصاصات الطبية والهندسية والصناعية وغيرها .
أن الحديث عن استبدال الصحافيين بالروبوتات لم يعد مجرد كلاما أو بحوثا مستقبلية وتنظيرية، فقد انطلقت رحلة ادخال الذكاء الاصطناعي في حقل الاعلام العربي، وعلى سبيل المثال وظفت قناة الجزيرة مذيعة روبوتات في فقرة ببرنامج هاشتاغ ، كما خصصت جريدة أندبندنت عربية مقالا أسبوعيا للروبوت باسم “ذكي بن مدردش” الذي يناقش أبرز القضايا، ويجيب عن أسئلة فريق التحرير، أما جريدة الرأي الكويتية، فقد وظفت روبوتا باسم “كوت بن قرين” يناقش الأزمة السعودية الإيرانية، وبحسب البحوث المستقبلية ووفق متطلبات سوق العمل ستبرز مهن دون الأخرى مثل مهنة التسويق الالكتروني والأمن السيبراني، وهندسة الطاقة البديلة والنظيفة وصناعة الروبوتات، وستتلاشى مهن عديدة لا حصر لها ولا مجال لذكرها.
لكننا ويجب لا ننظر للأشياء بعيون التشاؤم فأن تقنيات الذكاء الاصطناعي سيوفر فرص عمل جديدة للإنسان بقدر عال، كما انه من المتوقع أن تتبنى مؤسسات الدفاع عن حقوق الانسان مواقف تحد من المضي بالانفتاح نحو الروبوت الآلي اذا ما أصبحت المسألة تشكل تحد حقيقي لإفلاس الانسان من فرص العمل.