اليوم تمتحن العقول والضمائر والمواقف السياسية الوطنية في انحراف أو تحريف الواقع قسراً، وانتشار الموت والفوضى والخراب والدمار الذي خلقته أو اصطنعته أفكار خارج مديات الأديان والأعراف البشرية ، وصاغته أيدولوجيات عبرت مفاهيمها حدود المعقول أو المقبول ، وتعمل بطروحات الفاشية المقترنة بالقتل والموت لتنفيذ مآربها الدنيئة في العراق او بلدان أخرى.
ما يجري اليوم في العراق صراع حي وحقيقي بين قوى الشر والظلام وبين امة عراقية تريد تأسيس مجتمع جديد غادرته الحضارة العربية منذ زمن ليس بالقصير ، ومزقت تاريخه حقب سوداء تناوبت على حريقه واذلال شعبه، امة تسعى للوقوف بوجه مد جديد مصبوغ باللون الأحمر أعادت إنتاجه كيانات تدعي العروبة والاسلام، بتحريك دمى تنشر الرعب والخوف والموت في البلدان المتطلعة للنهوض بأموال غزيرة سال لها لعاب الأيدولوجيات المتحجرة.
المراهنات على اليوم الأسود الذي سيحل بالعراق وأهله لم تكن سوى أضغاث أحلام تطايرت أشلاؤها تحت ضربات العزيمة والأيمان والوطنية الحقة الشريفة، وانتهت إلى الأبد رهانات المتصيدين في مياه الأزمات بعد ان سكتت أجراس القارعين على نغمة الحرب الأهلية، وصمتت أبواق الفرقة والتجزئة والتقسيم.
ليس أمامنا في هذه المرحلة بالذات سوى ان ننتفض ضد احلك الظروف تأزما، ونطرح الخلافات السياسية جانبا على الأقل في هذه المحنة والتي هي بمثابة محنة الجميع لأنها مشكلة وطن وليس حزباً أو طائفة أو محافظة أو مدينة ، ولابد ان نحكم عقولنا وضمائرنا عندما نتعامل مع الوضع الحالي ونجبر الأصوات المرتفعة المتشدقة بالأوهام على السكوت والرضوخ لحقائق الواقع المعاش ونجدد شعار (لا صوت يعلو على صوت الوطن ).
نحن بحاجة ماسة الى صحوة جماعية تلملم اطراف خلافاتنا وتوجهاتنا ، فلا مفر لاحد منا عندما يداهم الخطر عراقنا ، عندها لا تنفع صرخات الاستغاثة او صيحات الندم، فالوطن بات في عداد الماضي وقد جرفته سيول الطوفان الى أماكن خارج حدود الأرض.
لم يكن العالم غبيا عندما تفاعل مع قضية العراق، أنما هو إحساس أنساني وليس سياسياً ، ينطلق من القلق المشروع على وطن وشعب تريد سكاكين المولعين بالموت ذبحه على طريقتهم الخاصة وبآليات المرتزقة والكواسر المتخمة بنزعات العيش في أعشاش الظلام والبؤر السياسية النتنة.