15 نوفمبر، 2024 5:04 ص
Search
Close this search box.

رصاصاتنا تُـسكت زغاريدنا

رصاصاتنا تُـسكت زغاريدنا

الفرحة.. هذه المفردة المغيبة عن العراقيين عقودا طويلة، بفعل فاعلين مروا على دست الحكم، انتهجوا سياسات مدروسة كانت الغاية منها وضع العراق في خانة بعيدة كل البعد عن ركب الأمم، ونائية عن مسيرة التقدم والحضارة التي تخطو بها بلدان العالم خطوات سريعة، فيما يبقى العراق متأخرا.. والعراقيون يعانون فيه من شظف العيش وهم يعومون على بحر من النفط تهنأ به مشارق الأرض ومغاربها. فالفرحة كانت بمرصاد أعداء العراق من الخارج، فوضعوها نصب أعينهم وسخروا لإطفائها سلاطين وحكاما على مر الدهور، ليترأسوا إدارة البلاد بمناهج كانوا قد فصّلوها على مقاسات القتل والدمار والسرقات، فكان الناتج عين ما خططوا له ورسموا اليه، فانزلقت الفرحة في دهاليز السجون وعلى أعواد المشانق، وما نفذ من الأفراح فقد نفذ بجلده متأبطا حقيبة سفر وهجرة أبدية خارج حدود وطنه، حيث التغرب والشتات والفراق وأحيانا… الضياع.

بعد عام 2003 كان العراقيون قد رسموا أفقا جديدا لحياتهم، مغايرا لما قيدهم فيه طاغية عصره المقبور، فراحوا يرسمون الفرحة ويخططون لها كأول خط من خطوط المواجهة مع الحياة الجديدة، فما دامت الديمقراطية هي الحكم الحاكم في بلدهم.. ومادامت الفدرالية هي سياسة البلد الجديد.. ومادامت الاتحادية تظلله تحت رحمة الاستقلالية والسيادة التامة، يكون من المؤكد كتحصيل حاصل أن الفرحة أول جني يهنأ به العراقيون.. وأدنى قطاف يمرأون به.. وستغدق عليهم الحكومات الجديدة من الأفراح مالذ وطاب، وسيكون بمتناول أيديهم كل ماكان ممسوكا عليها من الوصول اليه، وكيف لا..! والحكومة منتخبة ولدت بعد مخاض عملية انتخابية نزيهة.. شفافة.. ولم تفرض على المواطن بقوة الرصاص والبطش كما فرضت في عهد المقبور، كما أنها “منا وبينا” وليست علينا كالنظام البعثي الدموي.. فمن كل هذا لم يعد للعراقيين غير أن يرفلوا بالفرح.. والفرح بكل وجوهه.

هكذا هو حلم العراقيين وتوقعهم واستنتاجهم قبل أحد عشر عاما، لكن..! يبدو أن غربال المحاصصة لم يكن متينا بما يمنع مرور الـ (دغش).. فقد نفذ من خلاله كثير منه، فتبدد الحلم واستحالت الفرحة المرجوة الى بؤس وشقاء وموت وتهجير وتفجير وفساد عم البلاد.. وسحق ملايين العباد.

إلا أن العراقيين لم يقفوا مكتوفي الأيدي.. بل راحوا يبحثون عن الفرحة.. وجاء بعضهم بها من (حلگ السبع) ووضعها بصحن من ذهب أمام العراقيين، ليهنأوا بها بعد يأسهم من تحقيق حاكميهم أقل فرحة.. فضلا عن أكبرها. نعم..! جاء العراقيون بالفرحة.. هي فرحة التقدم والتميز بجانب من جوانب الحياة المشرقة الحضارية.. ذاك هو الجانب الرياضي.

إن ماقدمه فريق المنتخب الوطني العراقي من نصر في مباراته الأخيرة مع إيران، كان مبهجا ومسرّا لكل عراقي أصيل يعشق بلده، وكان طعم الفرح فيه مضاعفا، إذ هو يتزامن مع مايحققه عراقيون آخرون رابضون في خط التماس مع شراذم عصابات الإرهاب، فهم كذلك يجلبون الفرحة بأشكالها وأصنافها للعراقيين يوما بعد آخر، بدحرهم عناصره.

ولكن..! هل من المعقول أن يركل المواطن العراقي الفرحة التي يجلبها هؤلاء الأبطال اليه؟ هل من المنطقي أن كل الدعوات والصلوات التي تطلقها أفواه العراقيين والعراقيات الراغبة بالنصر والفوز يضيعها المواطن بلمح البصر، من رصاصة يطلقها من فوهة سلاحه موهما نفسه والباقين أنه تعبير عن الفرح؟ وإن كانت الفرحة لاتتم إلا بالرصاصة، فهذا يعني أن العراقيين أكثر سكان العالم نصيبا من الأفراح الداخلة اليهم..!

أرى أن الحد من ظاهرة التعبير عن الفرحة بإطلاق العيارات النارية، يجب ان يتولى مسؤوليته المعنيون بالجانب الأمني من البلاد، ولاسيما وزارة الداخلية، وعليها توجيه منتسبيها اولا وبشكل صارم وحازم بعدم استخدام أسلحتهم في مناسبات مفرحة قادمة، كي يحذو المواطن حذوهم بهذا الشأن، ويكفينا من رصاص الإرهاب وشظاياه فتكا وقتلا وضررا.

*[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات