23 ديسمبر، 2024 4:11 ص

رسم السياسات العامة للدولة

رسم السياسات العامة للدولة

القرارات السياسية تتخذ من قبل البرلمانيين وبقية السلطات ألإدارية ,وفي ظل ظروف يكون فيها الرأي العام قليل ألخبرة والمعرفة بموضوعاتها, وأقل فهما لإدراك نتائج القرار.ومع ذلك فإن الحدود العامة والاتجاهات الكبيرة لاغلب السياسات توجه من خلال الرأي العام. إن متخذي القرارات لايمكنهم أن يتجاهلوا الرأي العام في إختياراتهم ,والعلاقة بين الرأي العام وصنع السياسة ليست سهلة ومباشرة والموظف الحكومي المنتخب الذي يتجاهل كليا الرأي العام ولايحسب له حسابا في مواقفه وفي تصويته عند الاقتراع ,قد يعد ساذجا وسرعان ما يجد نفسه خارج اللعبة. تتضمن قرارات السياسة العامة عملا يصدر من بعض الرسميين أو الهيئات لتصادق أو لتعدل أو لترفض ,والشكل ألإيجابي للقرارات يتمثل في شكل تشريع , أو امر إداري.ومع ان الافراد والاهالي والمنظمات الخاصة يشاركون في صنع قرارات السياسات العامة فإن السلطة الرسمية لحسم الامر يبقى بيد الرسميين من نواب الشعب أو التنفيذيين والإداريين أو القضاة والحكام. وفي الانظمة الديمقراطية تعتبر المجالس البرلمانية وحدها المخولة بذلك لكونها منتخبة من الجماهير وهي الممثل الشرعي لها. تختلف النظم الادارية في العالم من حيث الحجم ودرجة التعقيد والهرمية ونطاق ألإشراف ودرجة ألإستقلالية وذلك لانها تستخدم كأجهزة رقابة على عملية تنفيذ السياسات العامة,وتعتبر المنظمات البيروقراطية مصدرا مهما للمقترحات والمشروعات الاولية للعديد من السياسات التي تقوم عليها النظم السياسية في امريكا وانكلترا, ولاتكتفي هذه المنظمات بمجرد تقديم المقترحات بل تحرص على كسب التأييد عبر القنوات الرسمية للتصديق عليها. ان تعاظم دور الحكومات في حياة المواطنين وفشل او رفض الاجهزة التشريعية والتنفيذية في معالجة العديد من المشاكل,ورغبة القضاء للتدخل اما تلبية لرغبات الجمهور او حماية للمتضررين منهم,كل ذلك جعل دور الهيئات القضائية في السياسة العامة يتزايد تدريجيا ونتوقع سيبقى كذلك في المستقبل .
والى جانب الجهات الرسمية التي تشارك في صنع السياسة العامة ,هناك مشاركون غير رسميين مثل الجماعات المصلحية والاحزاب السياسية والمواطنين .ويختلف دور جماعات الضغط من مجتمع الى اخر ومن حكومة الى اخرى ,وبشكل عام فان الجماعات المصلحية او الضاغطة فانها تساهم في بلورة المطالب وتجميعها وايصالها وطرح البدائل للسياسة العامة المتعلقة بها.وقد يزودون الموظفين بالمعلومات الواقعية عن موضوعاتهم خاصة حين تكون الموضوعات ذات طبيعة فنية,وبهذا فانهم يساهمون في ترشيد السياسة التي تتخذ.والجماعات المصلحية تمثل تنظيمات العمال والاعمال والزراعة وتعتبر هذه الجماعات مصدرا مهما لطرح القضايا في السياسة العامة خاصة في المجتمعات ذات التركيبة السكانية المعقدة ففي مثل هكذا مجتمعات تكون جماعات الضغط متنوعة كذلك في حجمها ومصالحها ووسائلها. ومن هنا كانت السياسات العامة في الدول تمثل احدى مظاهر نجاح الدولة او فشلها في تأمين مبررات وجودها بحسب المفاهيم التي ارتكزت عليها الكثير من الافكار والمعتقدات والتي أسسّت لسياسة الدولة الرعائية ، الدولة الأم في احتضان مواطنيها وتأمين المسائل الحيوية لبقائهم وكذلك وسائل رفاههم ايضا. وتؤدي معدلات توزيع الدخل المتساوي والية التصنيع المتقدمة والثروات والموارد الكافية إلى عدة مؤشرات أيحابيه على الدولة تساعدها في وضع سياسات عامة أكثر توازن وقدرة على النجاح، وهذه المؤشرات لا تخلو من أثار اجتماعيه وسياسية .
ذلك أن التقدم الاقتصادي يودي من جملة ما يودي إليه إلى (رفع مستوى الوعي السياسي، حيث أن مساهمة الجماهير في عملية صنع القرار بأسلوب ديمقراطي يتطلب أن تكون الجماهير على درجة من الوعي الاجتماعي والدراية السياسية، ولا يمكن الوصول إلى هذا الهدف ألا يرفع مستواها عن طريق التربية والتعليم وهما يقتضيان توفر مستوى اقتصادي متقدم يهيئ مؤسسات التربية والتعليم والجامعات، والمراكز الثقافية و دور النشر.. والبلدان الفقيرة لا تفتقر إلى الكوادر المدربة والمثقفة فحسب، وإنما أيضا إلى المؤسسات التعليمية والثقافية، القادرة على رفع كفاءة الفرد، وإذا ما أرادت أقامتها وجب توفير أموال وموارد كثيرة لا تتيسر لها، كذلك المستوى الاقتصادي المتقدم يؤدي أيضا إلى تحقيق قدر من التلاحم والاندماج.. فالقرارات السياسية التي تتعلق بتسيير الشؤون العامة تقوم على أساس حد أدنى من الاتفاق بين الجماعات والقوى السياسية التي تؤلف المجتمع، ولاريب في أن توزيع الثروة يؤثر على بنيه المراتب والطبقات الاجتماعية، وتبعا لذلك يتوزع النشاط السياسي حسب المراكز التي تتبواها كل مرتبه في المجتمع، لذلك يؤدي المستوى الاقتصادي المتقدم، إلى تسويه المنازعات السلمية، فقد دلت دراسات عديدة أجريت في بلدان مختلفة على أن فرص تسوية المنازعات السياسية بالطرق السلمية تزداد بزيادة الإنتاج الوطني والإجمالي.. إذ أن هناك ترابط إيجابي بين التطور الاجتماعي والاقتصادي وبين التسوية السلمية للمنازعات السياسية، لان التطور الاقتصادي يؤدي إلى القضاء على حالة العوز والتقليل من تأثيراتها، لان قلة الموارد المتوفرة من جهة مع كثرة الحاجات من جهة أخرى، فضلا عن سوء توزيع الثروة يولد صراعا عنيفا وتوترات شديدة وتناقضات اجتماعيه حادة بين الفئات المختلفة في المجتمع.
اذا استعملنا مصطلح السياسة العامة فاننا نشيرُ إلى أنشطة الحكومة ومؤسسات الدولة وشخوصها الرسميين لحل مشكلات المجتمع. وقد يتباين كنه السياسات من دولة إلى أخرى بحسب تباين المجتمعات من حيث ظروفها وثقافاتها. فإذا كانت الدولة يسودها نظام الشورى (ديمقراطية أو حرة أو تعددية) فإنَّ تركيز السياسات سينصب على محاولة إرضاء المواطن وخدمته والحرص على محاسبة المسئولين الحكوميين عن أعمالهم. أمّا عندما يسود نظام الحكم الفردي في دولة ما، فإنَّ أولويات صنع السياسات العامة ستنصب على تسيير شؤون الدولة وتقديم الحدِّ الأدنى من الخدمات بشكل مستمر. لكن بغض النظر عن كنه النظام السياسي في الدولة، يبقى الجزء الأكبر من العمليات الإجرائية للسياسة العامة متشابهًا بين الدول، حيث إنَّ آلية وطبيعة العلاقة بين الحكومة والشعب تكون متشابهة إلى حدٍّ كبير. فكل الحكومات لديها هدف، وهو تسيير شئون دولها، وكل المواطنين في أي مكان يحرصون على تلقّي أفضل الخدمات، على أن تكون لديهم حكومة ممثلة لقيمهم واحتياجاتهم.
اما الاحزاب السياسية فتهتم بالدرجة الاولي بالانتخابات للسيطرة على المناصب الحكومية,فهي تهتم بالسلطة اكثر من اهتمامها بالسياسة العامة.والخلاف بين الاحزاب السياسية كثيرا مايتركز حول البرامج المتعلقة بالرفاهية وتشريعات العمل ومشروعات الطاقة والاسكان وتسعير المنتجات الزراعية.والعضوية في البرلمان تلعب دورا في تشريع السياسات العامة,لاسيما وان اعضاء البرلمان يصوتون تبعا لموقف احزابهم من السياسة وليس بصفتهم الشخصية,لذا فان الحزب الذي يسيطر على رئاسة البرلمان هو الذي يقرر السياسة العامة.لذا فان البلدان ذات الحزب الواحد في الحكم فان الاحزاب لاتلعب دورا يذكر في التصويت على القوانين ولايكون لهذه الاحزاب اي دور في تحديد وجهة السياسات العامة.اما في المجتمعات العصرية فتلعب الاحزاب الدور المبلور للمصالح الاجتماعية والمبرز للمطالب والاحتياجات لربطها ببدائل السياسة العامة والبرامج الملبية لها.وعادة تحاول الاحزاب السياسية في الساحة استقطاب اوسع الجماهير والشرائح فبرامج الاحزاب تتسع وتستجيب للمصالح العامة لاوسع قاعدة جماهيرية بدلا من ان توجه نحو مصالح الاقليات والجماعات الضاغطة.
وللقيادة السياسية دور مهم في إعداد جداول اعمال السياسة,فالقادة يسهمون بدافع تحقيق الكسب السياسي,او بدافع تحقيق الصالح العام,أو بهما معا في بلورة المطالب وابراز المشاكل وتوضيح اثارها واقتراح الحلول لها .ويأتي رئيس السلطة التنفيذية في مقدمة القادة عند اعداد جداول اعمال السياسة .وهناك قضايا تفرض نفسها على جدول الاعمال بحكم الخطر او الضرر الذي تحمله,وتضطر المسؤولين على معالجتها,كحوادث الكوارث الطبيعية فان هكذا احداث سرعان ما تنتشر وتجسد من قبل المتضررين فتجد تأييد العامة فتقدم على غيرها.ولذلك يلاحظ ان بعض القضايا قد تدرس وتناقش ويدور حولها الجدل لكنها تبقى بدون علاج او سياسة الى ان يحدث مايحركها بقوة او يجعلها ملحة .ونشاطات المعارضة بما فيها العنف قد تكون أحد الوسائل التي تصل المطالب من خلالها الى متخذي السياسات او تدخلها في جداول الاعمال.فمثلا التظاهرات فان جهود المتظاهرين تسهم في ازالة اليأس من النفوس وتعطي دفعة قوية للمواطنين في رفع اصواتهم لطلب النجدة والإنقاذ مما هم فيه وليس فقط لإثارة الانتباه حول قضاياهم.وهدفنا هنا إيضاح الطرق التي تصل عن طريقها المشاكل لجدول الاعمال باعتبار هذه المرحلة تعد واحدة في عملية صنع السياسات العامة,والبدائل التي سيتم طرحها لاتتضمن جميع البدائل بافتراض معرفتها,كما ان بعضا من المشاكل العامة لايحدث ان تصل إطلاقا إلى جدول الاعمال ,فمتخذوا السياسات العامة يجدون أنفسهم مجبرين لتناول بعض المشكلات العامة.وفي مثل هذا النوع من التردد فإن مصطلح اللاقرار يبدو الاداة التفسيرية والتحليلية المناسبة.
ان أسباب المشاكل العامة غالبا ما تكون متنوعة ومتعددة وان بعض السياسات تتطرق لواحد او لعدد من هذه الاسباب وتغفل عن الاخرى.فبرنامج التدريب على العمل يساعد الذين لايعملون لصقل مهارتهم,لكنه لايساعد الذين لهم هدف وينقصهم الحافز,والتضخم وارتفاع الاسعار قد تكون له اسباب متعددة فالتعامل مع الظاهرة من خلال السياسة النقدية التي تتحكم بعرض النقود لايكفي لمعالجتها.وللسياسات أحيانا أهداف غير متماثلة وربما متعارضة مما يجعل تحقيقها معا أمرا متعذرا.وحلول بعض المشاكل قد تتضمن تكاليف باهضة تفوق المشاكل.فالجرائم التي تحدث في الشوارع قد تختفي لو اننا على استعداد لدفع الثمن المتمثل في سهر الشرطة وضبط الافراد,لكن الثمن الذي يدفعه الافراد لمعالجة المشكلة هو أكبر من النفع المتحقق وهو حرية الافراد,كذلك حماية البيئة من التلوث تكاليفه عالية كثيرة وغير ذلك.وحين تعالج بعض المشاكل العامة بصفة كلية فإن عددا اخر منها قد تعالج بصفة جزئية أو تبقى بدون علاج.فبرنامج تقليل ألإصابات بالامراض لايمنع ألإصابات بها كليا وبرنامج الحد من الاسعار لايمنع تصاعدها كليا وهكذا بالنسبة لبقيت المشاكل.
إن عامة الشعب والرسميون لهم انطباعهم حول اثار السياسة العامة ونتائجها التي تجعلهم مناصرين أو معارضين لهذا البرنامج أو ذاك,أما السياسيون وأعضاء البرلمان فإنهم يتأثرون في تقيمهم لمحتوى البرامج ومضامينها لردود فعل مناطقهم وناخبيهم وما تتركه مواقفهم نحوها على إعادة انتخابهم.إن تعديل او المطالبة بتعديل السياسات العامة يعتمد على المهارة التي تدار بها هذه السياسات والثغرات والسلبيات التي تنجم عن تطبيقها والوعي أو النضج السياسي للفئات المستفيدة منها أو ذات العلاقة بها والعوائد المتحققة منها مقارنة بالكلفة المترتبة عليها وما يتوقع أن يتحقق منها مستقبلا.والكلف والعوائد التي تتعلق بالسياسات العامة قد تنظر يشمولية أو تؤخذ في إطارها الضيق.فبالنسبة لموضوع الضمان الاجتماعي مثلا فإن المنافع والتكاليف توزع بعمومية,أما المنافع والتكاليف في العلاقة بين منتجي النسيج مثلا ووكلاء البيع فتحلل وتحدد بالتفصيل,كما ان المنافع قد تكون مادية ومعنوية وهكذا يصبح موضوع الاستجابة للسياسات العامة مرتبطا بالطريقة التي توزع فيها المنافع والعوائد.
وبعض السياسات تبدو انها تحقق منافع لشرائح كبيرة وعديدة من المواطنين لكن عبأها ونفقاتها تقع على عاتق طبقة او فئة محدودة من المجتمع,مثل السيطرة على التلوث البيئي والسلامة على السيارات والتفتيش على الغذاء الفاسد والضوابط الموجهة للمرافق العامة.ان صنع السياسات العامة بشأن اغلب المشاكل وخاصة تلك الكبيرة والمهمة منها, تبقى مستمرة.فالسياسة العامة ما أن تقر وتعلن حتى تبدأ عملية تنفيذها ويتم تقيمها ثم تخضع للتعديل والتغيير لتحل محلها سياسة اخرى تطرح للنقاش وألإقرار ومن ثم التطبيق.ومن ثم يتبعها التقييم وهكذا تستمر العملية دون توقف.ان عمليات صنع السياسات العامة وصيغها في ظل الانظهة الديمقراطية ذات التعددية الحزبية تكون أصعب واكثر تعقيدا,فبالاضافة الى تعدد الجهات المشاركة في صنعها فان عواملا تفعل فعلها وتؤثر على المحتوى والمخرجات.ان تحليل صنع السياسات العامة يمكن ان يوفر الكثير من المعلومات والحقائق حول طبيعة النظام السياسي القائم والعمليات السياسية بشكل عام.وهي تساعد في تحويل انظارنا من الاهتمامات الضيقة والجزئية والظواهر المستقلة مثل سلوك الناخبين والاتجاهات السياسية والتنشئة السياسية وغيرها الى دورها العام والشامل في العمليات الحكومية.
ان عبء تأمين الاذعان للسياسات العامة يقع بشكل رئيسي على عاتق المنظمات الادارية,والغرض العام من نشاطات المنظمة الموجهة نحو تطبيق القوانين والسياسات,والتي تشمل الاقناع والتفتيش والمحاكم هي للحصول على الاذعان للسياسات وليس لمجرد فرض العقوبات على المخالفين.ان السلوك الواعي للإنسان يمكن ان يصدر اثر تحليل واختيار لبدائل متاحة تقرر ما فعله وما يراد تجنبه.وللحصول على نتائج مرضية يمكن للمنظمات ان تعمل بجدية من اجل تعزيز القيم التي توجه السلوك نحو صياغة البدائل,والتعليم والتنشئة والحوار هي النشاطات المتاحة لتحقيق ذلك.ان الادارات يمكنها تفسير السياسات وادارتها باساليب تصمم ابتداءا على الاذعان.وتشترك المنظمات الادارية عادة بالعديد من الجهود التعليمية والاعلامية التي تسعى من خلالها لإقناع الناس وحثهم على انماط السلوك القويم المذعن للقوانين والسياسات المقصودة.وكلما نجحت الادارات في هذا الاتجاه تمكنت من تقليل المخالفات والتحديات من قبل المواطنين.فحين تصدر لوائح جديدة بشأن الحد الادنى للاجور تبادر ادارة العمل بشرح اسباب ذلك وتوضح ألإيجابيات المترتبة عليها إسهاما منها في إقناع العمال وارباب العمل للإذعان لها.وتحاول الادارات ربط الاذعان بالقيم والمفاهيم والمصالح العامة وبقضايا الوطن والوطنية.وعلى صعيد تطبيق السياسات قد تلجأ الادارات الى اجراء بعض التعديلات أو تبني بعض الاجراءات لتساهم في تعزيز ألإذعان.والموظفون الاداريون قد يطورون خبراتهم وقدراتهم في إقناع الناس وجعلهم يذعنون للسياسات او يقللون من مخالفتهم لها,ويمكن فتح الحوار مع المعنيين بالقوانين لشرحها لهم او لتفسيرها بالطريقة التي تقربها الى اذهانهم وقناعاتهم.
فالعقاب يرسي على اللجان الادارية بعد ان تعجز الوسائل الاجتماعية والنفسية وألإقناعية في تحقيق الطاعة وألإذعان,والعقوبات هي أما جزائية او حرمانية لجعل التصرفات المخالفة للقوانين غير مشجعة وغير لائقة لان يتعاطاها الافراد ,فهي تعاقب المخالف الذي اقترف السلوك الخاطيء وتحذر من يفكر بالوقوع فيه,والعقوبات الشائعة تتمثل في الغرامات او السجن او التنبيه والانذار او الحرمان من المزايا ,ومخالفة السياسات الادارية غالبا ما يقترن بالعقوبات الادارية لكونها مرنة وتستلزم سرعة التنفيذ.
والدول النامية بلا سك اكثر احتياجا الى الاساليب المنهجية التى يقدمها علم السياسات العامة والى الاساليب الفنية المرتبطة بهذه الدراسات. فحاجة هذه الدول الى التخطيط الاستراتيجى بعيد المدى والدور الاساسى للحكومة وللسياسات العامة فى تسيير شئون المجتمع وندرة الموارد الاقتصادية التى تجعل الإنفاق على أحد المجالات على حساب حرمان إشباع حاجات اساسية اخرى قد تتساوى أو تتعاظم اهميتها. واثر ذلك على المسألة المتعلقة بشرعية النظام. كل ذلك اكثر وضوحا فى معظم الدول النامية عن غيرها من الدول.
وقد تحولت الدولة من فاعل رئيسي ومركزي في تخطيط وصنع السياسات العامة، وممثل للمجتمع في تقرير هذه السياسات وتنفيذها، ووسيط بين الفئات والطبقات في حل المنازعات بل ومالكة للمشروعات ومسئولة عن حسن إدارتها، وعن إعادة توزيع الدخل وتقديم الخدمات وعدالة توزيعها مكانيا وبين الفئات الاجتماعية؛ لتصبح اليوم الشريك الأول ولكن بين شركاء عدة- في إدارة شئون الدولة والمجتمع، ولا شك أن هذا التحول قد بدا مع تنامي التضخم الاقتصادي الذي كان من أسبابه الرئيسة تنامي أعباء وتكلفة دولة الرفاه وعبئها على دافعي الضرائب من العاملين من أبناء الطبقة الوسطي والعاملة، بعد أن تغيرت طبيعة الهرم العمري للسكان، وزادت نسبة من يتقاضون معاشات، وانخفضت نسبة المشاركين في العمل فضلا عن تعثر محاولات التنمية بالاعتماد على القطاع العام.
ان الاستقلال التام للدولة ليس ممكناً، إذ لا يمكنها أن تنفصل عن القادة السياسيين والموظفين الذين يهيمنون على أجهزتها، فينبغي علينا أن نتذكر دائما طبيعتها السياسية. إلا أن هذه الطبيعة السياسية للدولة هي مدعاة لمواصلة السعي والجهد لضمان التمييز بين الدولة والسياسة، حتى يجد المعارضون للحكومة القائمة الحماية والإنصاف لدى مؤسسات الدولة، خصوصا ضد الحكام وكبار الموظفين.