23 ديسمبر، 2024 5:05 ص

رسالتان وثلاثة أسئلة

رسالتان وثلاثة أسئلة

بعد أسابيع عاصفة، شهد خلالها العراقيون حملات إنتخابية محمومة، أصبح العراق اليوم على أعتاب مرحلة جديدة تتطلب التروي والحذر والحكمة والتعقل، مرحلة يتم فيها إعادة صياغة الأولويات وفق رؤى ومعطيات جديدة بعيدة عن التوجهات الضيقة ورغبات التصعيد والتوريط. مرحلة يتم فيها معالجة المشكلات القديمة بمنطق جديد.

ظاهراً عاد الهدوء الحذر الى السماء الكوردستاني والعراقي، وسيعود ذلك الهدوء إلى العلاقات بين الأحزاب والكتل السياسية التي شاركت في الإنتخابات، وربما سيتم التوصل إلى توافقات تسقط أوهام الذين إعتقدوا أن التموضع والصراع والتقاطع والتخاصم لاتغادر الساحة السياسية.

رسالتا الرئيس مسعود بارزاني، ونائبه نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم، بعد إعلان نتائج الإنتخابات البرلمانية، شخصتا جوهر الأزمات التى نعيشها وكيفية مواجهتها بالحقائق مهما تكن مؤلمة وصعبة، وتحمل المسؤولية.

 وتطرقتا إلى الكثير من القضايا والمفاهيم الجوهرية التي تنبع من التشخيص الدقيق لمكامن الضعف والخطر ومواطن القوة وكيفية التغلب على السلبيات وتمتين الإيجابيات، ورؤية شاملة لأسباب المشكلات بين أربيل وبغداد، كما تناولتا مفهوم العلاقة بين المواطن الكوردستاني والحكومات العراقية التي كانت تستند على الأفكار السطحية الشائعة والمغلوطة، وإنتقدتا النظرة القصيرة المدى للحكومات المتعاقبة في بغداد والتي كانت تتورط وتحتاج إلى من ينقذها. كما أشادتا بشعب كوردستان  القادر على العطاء وتجاوز الأزمات المصنعة، ومساندة القيادة السياسية الكوردستانية في تحطيم مخطط عزل الكورد عن العالم، المخطط الذى كان يرمي الى تغيير ملامح وهوية وشكل ومضمون كيانهم الدستوري الذي له المكانة التي يستحقها في العراق والمنطقة والعالم.

كما لم تتجاهل الرسالتان ما في أذهان البعض من الكورد، من عقد وخلافات موروثة مازالت بحاجة الى علاجات وتفاهمات واتفاقات، والتعهد بضرورة التوافق بشأن القضايا التي لها أبعاد وطنية وقومية والتعامل معها بشكل حضاري، والصمود أمام الرياح التي لا تراعي المشكلات العديدة بين اربيل وبغداد وحال الكوردستانين الذين هم في غنى عن مشكلات جديدة، والأوضاع التي لا تتحمل إستحداث صراعات جديدة تعكس الرغبة في إغتنام الفرص وإثارة الفوضى بالمزاج والمزايدة السياسية ونعراتها الحزبية ومؤاخذاتها السطحية.

الرسالتان ذكرتا أن محور الصراع بين أربيل وبغداد يدور حول خرق الدستور بالشكل العلني أو الضمني وتحويله إلى شعارات استهلاكية ليس للعراقيين مصلحة فيها، بإستثناء الذين يطمحون إلى لعب الدور الرئيسي في رسم المستقبل، على حساب التفكّك، وتدهور العلاقات، وتنامي مشاعر العداء في ما بين العراقيين، والذين يريدون الاحتفاظ بالسلطات والمكاسب الشخصية والحزبية والإبقاء على الصراعات القومية والطائفية بين العرب والكورد، والسنة والشيعة، وتسعيرها.

الرسالتان وضعتا النقاط فوق الحروف، بشأن الحوار لأن المصلحة الأساسية للعراقيين عموماً تكمن في ترك باب الحوار مفتوحاً وجسدتا حال الكوردستانيين، الذين مازالوا حريصين على التعايش والتسامح مثلما كانوا دائماً، وما زالوا يفتحون أبواب الحوار لإستيعاب كل وجهات النظر والإتفاق، لأنهم على ثقة بأن الصداقات الوثيقة تصنع السياسات الناجحة، وينتظرون تنقية الأجواء المشحونة بالتوتر وإنعدام الثقة ورفع المعاناة عن كواهلهم بالحوار والتشاور البناء وتشكيل حكومة جديدة تمتلك  إرادة تنفيذ الدستور، والرؤية المستقبلية الواضحة التي تحدد معالم المستقبل، لكي يخرج الجميع منتصرين رابحين. والسؤال هنا:

هل في الأفق ما يفيد بأن هناك مؤشرات على نجاح الحوار القادم بين أربيل وبغداد ؟

وهل تحرر بغداد ذاتها من إفرازات العلاقات المتوترة السابقة والمفاهيم البالية ورغبة اللعب بأوراق محترقة؟

وهل تبتعد بغداد عن ممارسة السياسات العدائية والاستعلائية السابقة التي كلفت الجميع أثماناً باهظةً؟

الجواب، ربما، لأن بغداد تدرك أهمية الدور الكوردستاني في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وحل مشكلات العراق وتصحيح مسار العملية السياسية وضمان الأمن والإستقرار فيه.