المثقف هو ضمير الأمة الواعي لبناء دولتها ,تستطيع كل أمة من الأمم أن تصنع معلماً أو طبيباً أومهندساً في أي مجال من المجالات العلمية ,لكنها لا تستطيع أن تصنع أديباً أو شاعراً أو فناناً أو مثقفاً ,لأن هذا النوع من الصناعة هي موهبة تولد مع المرء بالفطرة ,ينميها بمرور الزمن فتتكون لديه الملكة التي يفيض بها فكره وعطاؤه ,كيف يمكن لأمة أن تنهض من ركامها وحطامها دون أن يكون لديها مثقف ؟مثقف حرا لإرادة صاحب ضمير واعي يحمل بين فكره قضيتها التي تناضل وتقاتل من اجلها لإثبات وجودها ,قيمته تتجلي أنه يحمل مشروع توعوي مبنياً علي أيقاظ ضمير أمته,ليحررها من الخرافة والأسطورة ويرتقي بها للنهوض ,لا يساوم ولا يهادن على حساب مبادئه ,أن عملية إيصال الوعي للأمة تتطلب صياغة رسالة مفهومة وواضحة تتناسب مع مستوى ثقافة المجتمع المرسلة اليه لامع بمستوى ثقافته ,وهنا تأتي وظيفة المثقف والذي وصف بأنه الذي يضع نظرة شاملة لتغيير المجتمع,أو الذي يعمل لصالح القطاعات العريضة في المجتمع ,فضلاً أن لديه القدرة على النقد الاجتماعي والعلمي,ليس بالضرورة إن كل متعلم هو مثقف، ولكن بالتأكيد فان كل مثقف متعلم,المثقف هو صوت ألأمة الذي يعبر عن تطلعاتها ومستقبلها ويصيغ خطابه وفق حاجتها وما تحتاجه للبناء,لقد ولدت بين المثقف والسلطة إشكالية كبيرة,منها ما كان سلباً ومنها إيجابا ,القيم والثوابت والمعرفة والقلم هي سلاحه ,والسلطة سلاحها السيف والسوط والحديد والمقصلة والزنزانات,الثقافة التي يمتلكها المثقف هي التي تريدها السلطة وتدفع لها أموال باهظة للحصول عليها فلا سلطة بلا ثقافة ,وكل نظام سياسي بحاجة الى وضع سياسة عامة ليضفي الشرعية عليه ,وعلى برنامجه السياسي ,وجذب الناس لتأييد السلطة التي يحكم بها المجتمع أو رعيته وذلك من خلال أظهار شيء معين وهو الوجه الجميل والمشرق للسلطة ,وإخفاء الوجه ألآخر وهو القبيح لها ,لقد احتكر النظام البائد الثقافة وتدجين المثقف فلا يعجبه سوى الثقافة المثالية التي تعلو من شأنه وتضعه فوق القانون مقاليد الأمور ,وتصفه بأوصاف الملهم والقائد الأوحد ,وفارس الأمة وبطل تحريرها ,وفي المقابل كان يشيع ثقافة الخوف بين الشعب والرعب وخلق الأزمات,وشراء ذمم من باعوا ضمائرهم ,ولا يسمح بالاختلاف بالرأي وأن سمح به فلن يكون الا في حدود ضيقة دون التأثير على سطوته ,أن أخطر علاقة تلك
التي تنشأ بين ظالم مستبد ومثقف أو رجل دين ينعق مع كل ناعقة ,وظيفته التبرير سلوكيات مغامرات ظلمه وبطشه ,بأنها لحماية الأمة من الانحراف ولسلامة حياة المواطنين ,كحادثة الملك الظالم الذي خرج للصيد مع كبير مستشاريه,وهو على درجة عاليا من الحنكة والثقافة ,عندما صوب الملك سهمه باتجاه الطائركانت الضربة غير موفقة ,فنظر لكبير مستشاريه ,فقال له :لما لم أصب فريستي ,فقال له :سيدي كانت رميتك موفقة والحمد لله أنك لم تصبه لكنت أشكلت نفسك بقضية حلال وحرام بقتلك للطير, لكنه كان يخبئ في جلبابه جواب آخر لو أن الملك قتل الطير لقال له : هكذا هي ضربات ورميات الملوك مسددة من السماء ,وجود الحرية والديمقراطية لممارسة الفكر ,والاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني ,هي العوامل الرئيسية التي تدفع بأن ينشط المثقف وتنتشر أفكاره ,ويصبح أكثر تأثيرا وفعالية عندما يتوفر احترام الحرية في المجتمع وتعزز صيانتها ,لأن المثقف الحقيقي ,هو مثقف من خلال الحرية التي يحتفظ بها لنفسه ,ويمارسها وينافح عنها أكثر من كونه مثقفاً من خلال الأفكار والمعارف التي قولها ويبشر بها ,عندها تنفتح الأفاق أمامه ويتعزز المناخ الملائم للإبداع ويجد نفسه قادراً على أداء مهمته الثقافية,وبغير هذا المناخ توصد الأبواب أمامه و لا يعود يرى لأبعد من أنفه ,فضلاً عن انغلاق سبل الابداع لديه ,ويصبح اكثر استعداً للوقوع في شرك السياسي أو الحاكم أو في خدمة من يحتاج الى ثقافته وفكره ,ما لجدوى من وجود المثقف وهو يمارس دوره بين اربع جدران ويرضخ ويستبدل مبدئه في كل محنة ؟,نريد مثقفاً يتحسس وجع الأمة لديه رسالة يريد أيصالها يشرح ويوضح من خلالها حجم الكارثة الإنسانية التي ألمت بالنسيج الاجتماعي جراء الإرهاب وممارساته الوحشية,يتحدث للعالم عمن أساءوا لتاريخنا وحضارتنا ,وعن التجربة الديمقراطية التي قدمنا دماء عزيزة للحفاظ عليها ,ماذا سيقدم الحياد في وطيس حرب تلتهب نيرانها المجتمع وهو بأمس الحاجة له ؟ وأن يفضح السارقين والفاسدين ,لا أن يقف على التل وينتظر لمن تحسم المعركة .