سيدي العزيز
إن منع الخمور مسألة لا يمكن تنفيذها بأي حال من الأحوال، فأمريكا لم تستطع إيقاف بيع الخمور في أوائل القرن الماضي مطلقا، لأن السوق السوداء نشطت وأصبحت مافيات سوق الخمور السوداء من أوسع المافيات نشاطا هناك، وحتى بعد إلغاء القانون لم تتوقف هذه المافيات بل تحولت إلى تجارة المخدرات والسلاح وما إلى ذلك من التجارة المحرمة عرفا وقانونا من قبل كل المجتمعات، وهنا نسأل إذا كانت أمريكا بجلالة قدرها لم تستطع السيطرة على على سوق الخمور السوداء، فهل يستطيع العراق فعل ذلك؟
الفساد منتشر لدينا بأوسع صوره حاليا ولا تستطيع الدولة كبح جماحه، فكل نوع من الفساد أصبح له مافيات واسعة وذات نفوذ ليس للدولة قبلا بها، وها نحن بهذا القانون نزيد من حجم الفساد بشكل أوسع بكثير، لأن معظم العراقيين يتعاطون الخمور ولا يمكن إيقافهم بأي حال من الأحوال، ومنذ زمن بعيد جدا، فالعراقي هو أول من أخترع طرقا لصناعة الخمر، وهو أول من أخترع صناعة البيرة ولنا بالشواهد التاريخية التي تركها الأولون في الحضارات القديمة خير دليل قاطع على ذلك.
من غير المعقول أن يتوقف العراقي الذي يتعاطى الخمر لمجرد صدور قانون، لكن الذي سيحدث هو أن مافيات زراعة وتصنيع وتجارة المخدرات العراقية ستنشط وستفتح سوقا سوداء أوسع مما هي عليه الآن لا يمكن السيطرة عليها، وستبقى تجارة الخمور السوداء وتنشط لأن الذي سيرعاها هو المافيات الأقوى دائما من الدولة، فهل الدولة مستعدة لذلك؟
في نفس الوقت الذي ساهمت به يا سيد محمود كما تدعي او تتفاخر به بإصدار هذا القانون المثير للجدل، كانت الحكومة قد قدمت مشروع ميزانية الدولة للعام2017، ووضع في هذا القانون مادة تفرض ضريبة على المشروبات الروحية، الخمور، قيمتها100% من قيمة قنينة الخمر.
هكذا تكون قد حرمت الدولة العراقية من عائدات قد تصل قيمتها أكثر من300 مليون دولار سنويا وربما أكثر بكثير من ذلك، وكلها ستذهب إلى جيوب المافيات التي ستتاجر بالخمور، ومبالغ أخرى بجيوب مافيات المخدرات التي ستتوسع وتصبح ذات شأن كبير.
طبعا لا أشك في ذكائك، ولا يستطيع أحد غيري أن يفعل ذلك، لأنك قاضي مرموق ولك سمعة واسعة، ونائب في البرلمان، إذا فأنت ذكي جدا ولا ريب.
هذا الذكي جدا، القاضي والنائب، عمل على حرمان الدولة من عائدات تسد بعض النقص في الميزانية التي تنوء بثقل العجز المالي الكبير، ويحول هذه الأموال إلى تجار الخمور في السوق السوداء، ويساهم بإنعاش زراعة وصناعة وترويج المخدرات على حساب الدولة والمجتمع أيضا.
إنها الطامة الكبرى حين يكون أبناء العراق البررة هم من يذلون الدولة ويعملون على نشر الفساد.
بالتأكيد إن الأستاذ القاضي والنائب والذكي يعرف ويتوقع مثل هذه التداعيات والنتائج المريعة للقانون الذي يفاخر بأنه هو الذي صاغه وضمنه في قانون لا علاقة له بهذا الأمر، فالأمر إذا تم عن سابق إصرار وترصد من قبلكم، لأن لو حاولت التنصل عن هذه التهمة، فإنك تحكم على نفسك بأنك غافل عن هذه التداعيات، أي مغفل، وهذا ما أرفضه أنا شخصيا ولا أقبله، فأنت ذكي ويشهد لك القاصي والداني بالذكاء وأنا أولهم، ثم وكما تقولون أنتم رجال القانون “”أن القانون لا يحمي المغفلين””.
لذا سنجد من يستدل أو يتوقع أن لك فائدة أو دوافع ربما تكون مادية، أو ربما يذهب البعض ويتهمكم بأكم من يدير شبكة مافيوية لتجارة المخدرات أو تجارة الخمور المهربة، وربما كلاهما، والله أعلم، لذا يقتضي التحقيق معكم من قبل القضاء العراقي النزيه حول هذا الموضوع الخطير.
ربما تعتقد أن التهنئة التي قدمتها للمراجع الدينية العظام تزلفا، كما يعتقد البعض، قد تدفع عنكم الضرر أو التهم ومسائلة القانون، أبدا، إن المراجع العظام لا ينتظرون منكم مثل هذا العمل، فهم يستطيعون اصدار الفتاوى والتذكير بما أنزل الله في كتابه الكريم حول هذا الموضوع، وكلامهم مسموع ولهم مكانة كبيرة في نفوس وعقول العراقيين، وعندما قدمت التهنئة أظهرتهم كما لو أنهم عاجزون وأنت قمت بالواجب الديني والشرعي نيابة عنهم، وهذا ما لا يقبله عقل ولا منطق.
ربما تظن أنه كونك قاضي وتستطيع التأثير بوسائل شتى على القضاة، فهذا لا يمكن أن يصمد أمام محكمة علنية قد تقام لمقاضاتك، وسيطالبون القضاء أن تكون المحاكمة علنية وتنقلها وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وقد يضطر أحدهم إلى رفع دعوى قضائية ضدكم كمتضرر من هذا القانون، آن ذاك سوف يعرف الشعب أنه مستهدف حتى من قبل ممثليه في البرلمان وقضاته السابقين وأذكياءه المعروفين بذكائهم، رحم الله شكسبير حين تسائل متعجبا “حتى أنت يا بروتس!”.
وربما تظن أيضا أن الحصانة البرلمانية التي تتمتع بها تنجيك من المسائلة أو المقاضات، لكن لو حصل ذلك فإنه يعني إن القضية ستطال رئيس البرلمان أيضا، لأنه ساعد على تمرير قضية بعيدة تمام البعد عن الشرعية كون دستورنا حمال أوجه، وأنت تعرف هذه الأوجه المتعددة لأي موضوع.
أما تهديدك بمقاضات كل من يعترض على تصرفكم هذا لن ينفع، لأن الذي سيقاضيك سوف لن يكون ضعيفا، لابد أنه يتكئ على حائك مكين، كما وأن لديه الذكاء وما يكفي ون الأدلة لمقاضاتكم، وسوف تعجز عن ردعه أو إخافته أو الدفاع عن نفسك كونك ذكي ولست غافل لأنك رجل قانون يشار له بالنان، لذا أخشى عليك أكثر ما أخشاه على الخمور التي سيمنعها القانون، وسوف لن تستطيع الدفاع عن نفسك لأنك ذكي ولا يمكن أن تكون مغفلا بأي حال من الأحوال، لذا سيكون الحكم عليكم قاسيا لأنه سيعتبر نابع عن سابق إصرار وترصد كما تقولون أنتم رجال القانون.
كما وأرفض رفضا قاطعا مسألة تصنيع الخمور محليا التي تسوقون لها بشكل غير مباشر على حد فهمي للموضوع، لأنها ستكون سببا بقتل الأبرياء خصوصا من الفقراء، لأن الأغنياء يستطيعون شراء الخمور الجيدة من السوق السوداء مهما غلا ثمنها.
سيدي القاضي والنائب والذكي، نعم يمكنك محاربة تعاطي الخمور ولكن بطرق أخرى غير هذه الطريقة البائسة، مع احترامي الشديد لكم ولكل أعضاء البرلمان والقضاة والأذكياء في عراقنا الحبيب.