23 ديسمبر، 2024 10:52 ص

رسالة مفتوحة لرئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي

رسالة مفتوحة لرئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي

لقد إستبشر الناس خيراً وأنا منهم في مؤتمرك الصحفي في 21 أيلول 2015 حينما قلتم ”نسعى إلى تحقيق الإنصاف والعدالة، ولن أتراجع عن الإصلاحات ولو كلفني ذلك حياتي“، ثم قلتم ”إن محاربة المحاصصة السياسية جزء أساسي من محاربة الفساد، لأن الولاء الشخصي أو الحزبي يؤدي إلى تقديم المقربين على حساب المهنيين“، و”هذا ظلم يدمر المجتمع ولن نسمح به“.والآن بدأ التحرك نحو حكومة تكنوقراط، وقدمتم منهجاً من (105) صفحة؛ أخي العزيز يجب وضع خارطة طريق وستراتيجية لعمل الوزراء والوزارات ويجب تشكيل لجان تحقيقية لمحاسبة المفسدين وهذا جزء من ألإصلاح ولكن ذلك لا يتم بكتابة المناهج فحسب، لأن الإصلاح الحقيقي يتم بتنفيذ المناهج الإصلاحية، والفقرتين اللتين تطرقتم إليهما كما هو أعلاه عبارة عن منهج إصلاحي كامل، لو طبق بحذافيره لأستطعتم قيادة البلد إلى شاطيء البر السلام في هذا البحر اللجي المتلاطم من الأحداث الساخنة والمشاكل المستعصية والمآسي الكبيرة والعقبات الكؤود.لا أخفيكم سراً إن المواطنين يتساءلون من هم المقربون من مستشاري الدكتور حيدر العبادي؟، هل هم من المهنيين أم إنهم من الحزبيين؟، هل حقاً تم تنحية الحزبيين الذين عينوا في زمن المالكي في المراكز الحساسة من وكلاء الوزارات إلى المفتشين العامين إلى رؤوساء الهيئات إلى محافظ البنك المركزي إلى المدراء العامين وحل محلهم المهنيون، أم تم تثبيت الحزبيين ولم يحل محلهم المهنيون.ما يؤمل من حكومة التكنوقراط يجب أن تبدأ من رئيس مجلس الوزراء، أنا لا أقول يجب على رئيس مجلس الوزراء أن يتنحى ويحل محله شخص تكنوقراط، ولكن لكي يثبت رئيس مجلس الوزراء أنه رئيس يعمل للعراق ولمصلحة العراق وأن ولاؤه للوطن وليس للحزب فيجب أن يقدم ولاؤه للوطن على ولائه للحزب بشكل عملي، ولا يتحقق ذلك إلا بتركه للحزب أو بالحد الأدنى تعيين المهنيين في مكتبه وإتخاذهم كمستشارين وليس  ألإعتماد على الحزبيين من حزبه.لقد علمت إن بعض الأشخاص وضمن مراكز معينة قد فرضوا عليك، وإني من كل هذه المراكز سأتناول مركز محافظ البنك المركزي، ليس من منطلق شخصي بل من منطلق أهمية هذا المركز في هذا الظرف ألإقتصادي الحساس  للبلد، لقد أوضحت أنا في أكثر من مقال وبرنامج تلفزيوني أن هناك سرقات يومية من خلال مزاد البنك المركزي تبلغ أكثر من أربعة ملايين دولار في كل يوم، حيث أن معدل مايبيعه البنك المركزي من الدولارات في كل يوم مزاد يتراوح بين (150) إلى (200) مليون دولار، وأن حاجة البلد للإستيراد تبلغ أقل من نصف هذا المبلغ، وإن الفرق بين سعر الشراء البالغ (1190) دينار للدولار الواحد وبين سعر السوق الذي يتراوح اليوم بين (1260) إلى (1280) دينار للدولار معناه أن هناك سرقة يومية من إحتياطي الدولار يتراوح بين (4) إلى (7) مليون دولار في اليوم، وبعملية حسابية بسيطة نكتشف أن مجمل السرقات السنوية لا تقل عن مليار ونصف المليار دولار، ولا أظن أن هناك أي سرقة في أي وزارة من الوزارات التي تم تنحية وزراءها إن سلمنا بوجود سرقات تتجاوز هذا المقدار، فإن كنت حقاً تريد محاربة الفساد فهذا الملف تحت يدك وتستطيع إيقاف هذه السرقات خلال يوم واحد وبقرار واحد كما سأتناوله أدناه.ولكن هناك قضية أخطر من هذه السرقات بكثير؛ إن الدولة تمر الآن بوضع إقتصادي في غاية الصعوبة، فقد سرقت خلال السنين السابقة بمختلف الطرق مبالغ لا يمكن تقديرها ولعلها قد تجاوزت الثلاثمئة مليار دولار، وإن الكثير من هذه المبالغ موجودة في العراق، ويسعى السراق لتحويلها إلى خارج العراق، وإني أذكر لك هذه الحادثة التي لا بد أنك سمعت بها في بداية عام (2015) حيث حاول ثلاثة أشخاص محسوبين على جهة معينة تهريب كمية (160 ) كلغم من الذهب من خلال إحدى الطائرات في مطار بغداد الدولي، وكنت في ذلك اليوم مسافراً على نفس تلك الطائرة التي تأخرت  بسبب هذه الحادثة، لقد تم منعهم من السفر مع هذه الكمية من الذهب، ولم أعلم ما ألذي حصل بعد ذلك، ألآن بسبب سياسة البنك المركزي لا يحتاج مثل هؤلاء إلى المجازفة وإنكشاف أمرهم سواء داخل العراق أو الجهة التي سيحط رحالهم فيها، لأن البنك المركزي يوفر لهم آلية تهريب هذه الأموال وسرقتها بشكل شرعي، فلا يحتاج الأمر أكثر من قوائم مزورة يستطيع أن يشتري فيها المفسدون في كل يوم بين (75) إلى  (100) مليون دولار، ويحولونها إلى الخارج، لقد تطرق العشرات من النواب إلى هذا الواقع (من الأخ جواد الشهيلي وقضية -الدشاديش الممزقة-  إلى المرحوم ألدكتور أحمد الجلبي إلى ألسيد هيثم الجبوري إلى ألأخت ماجدة التميمي وغيرهم)، وألأنكى من ذلك إن البنك المركزي كان قبل بضعة أشهر يعطي لمن يريد تحويل الأموال إلى الخارج سعراً تفضيلياً أي (1187) دينار لشراء كل دولار يحول خارج العراق وليس (1190) لمن يريد الدولار داخل العراق، إن المبالغ السنوية التي تستنزف من إحتياطي البنك المركزي بهذه الطريقة للسراق فقط من غير التجار قد تتجاوز ال (17) مليار دولار، وهذه العملية تجري الآن على قدم وساق وفي كل يوم، لقد عملت معك في لجنة الإقتصاد وألإستثمار في مجلس النواب، وبحكم خبرتك تستطيع أن تعرف دقة الأرقام التي أذكرها، وإن كان لديك أي شك فحولك بعض المتخصصين الذين يستطيعون تثبيت ذلك، ولكني مطمئن إنك لن تحتاج إليهم.
إني فيما ذكرته لا أريد أن أتهم السيد علي العلاق محافظ ألبنك المركزي بأي  إتهام، لأن مبدئي أن لا أوجه إتهاماً لأي شخص إن لم أكن متيقناً من ذلك، لعلك تقول أن السيد على العلاق كفوء في منصبه، ولا أريد أن أشكك برأيي الشخصي بكفائته، ولكن أرجو أن تطلع على المقابلة التي أجراها قبل بضعة أيام مع (باتريك أوزغود  Patrick Osgood) والمنشورة على كثير من المواقع الإخبارية، أرجو أن تطلع بتمعن إلى أجوبته للأسئلة التي وجهت له لتعلم مقدار كفائته، وقد تقول أنه مفروض علي، وهذا ما وصلني عنك، لقد قلت في مؤتمرك الصحفي أعلاه (لن أتراجع عن الإصلاحات ولو كلفني ذلك حياتي)، وإني أقول لك مطمئناً، لن يجرؤ أحدُ الآن أن يهددك بحياتك، وإن تجرأ شخص على ذلك في يومنا الحالي فقد حكم على نفسه بألإعدام، فأمضِ على بصيرةٍ من أمرك للإصلاح متوكلاً على ألله.ومع كل ذلك فإنك لا تحتاج أن تزيح السيد علي العلاق عن موقعه، ولكن لإيقاف هذا الفساد الكبير وهذا الإستنزاف المهول لإحتياطي الدولة العراقية فألقرار بيدك وبإمكانك أن تتخذ أي من الخطوتين المذكورتين أدناه أو كليهما:
1-  أن يتوقف الإعتماد على القوائم المزورة لبيع الدولار للسراق والمفسدين، وبألمقابل يتولى البنك المركزي أو البنك التجاري (فتح الإعتماد المستندي) (Letter of Credit-L/C) حيث بهذ الوسيلة يمكن التأكد أن الأموال ستدفع للشركة المصدرة حين وصول البضاعة إلى إحدى نقاط الحدود العراقية.2- أن يتخذ إجراء (الدفع عند إبراز وثائق الشحن) (Cash Against Documents- Documentary Collection – D/C) حيث يدفع المبلغ للشركة المصدرة بمجرد إصدارها لوثائق الشحن، هذه الطريقة كلفتها أقل، وأقل تعقيداً من (L/C) ويمكن إتباعها لإستيراد كميات بسيطة من البضائع وبالذات من دول الجوار كأيران وتركيا والسعودية وغيرها.حيث لو إستخدمت أي طريقة من الطريقتين أعلاه المعترف بها عالمياً من قبل المصارف العالمية عوضاً عن السياسة المتبعة حالياً في العراق فقط خلاف جميع دول العالم في إعتماد القوائم المزورة (المقصود بالتزوير هنا هو عدم تصدير البضاعة الى العراق)؛ فإنك تمتلك القرار بيدك في إيقاف الفساد والسرقات بفرض أي من الطريقتين أعلاه حيث ستحفظ سبعة عشر مليار دولار سنوياً من الهدر والتحويل إلى حسابات خارج العراق لهؤلاء السراق والمفسدين على حساب شعبنا المستضعف الذي يعاني الويلات من الفقر والتهجير والتشريد في بقاع العالم المختلفة.
أخي العزيز دكتور حيدر، المشكلة ليست في حكومة التكنوقراط، فلو شكلت حكومة جميع أفرادها من التكنوقراط وكانوا فاسدين فسيكون مصيرها الفشل المطبق، فلقد رأينا في الحكومات السابقة الكثير من التكنوقراط الفاسدين، ولو شكلت حكومة جميع أفرادها من الأحزاب السياسية ولكنهم كفوئين ونزيهين فسيكون مآلها النجاح، نعم هناك ميزات إيجابية للتكنوقراط حيث لا يمكنهم أن يشكلوا لجان إقتصادية للسرقة كما تفعل الأحزاب السياسية الآن، والتكنوقراط لا يحصل على نفس مستوى الإسناد من حزبه كألإنسان الحزبي، والتكنوقراط قد لا يكون مضطراً أن يقرب أفراد حزبه على الآخرين، هذه صحيح تبقى مميزات لحكومة التكنوقراط، ولكن تبقى المشكلة ألأساسية والكبرى النزاهة والكفائة. إنك الآن على مفترق طرق، إما أن تتحرك كوطني عراقي وليس كحزبي، وتبعد عنك المستشارين الحزبيين الذين يعملون لمصالحهم الشخصية ولمصلحة الحزب التي يمكن أن تتناقض مع مصلحة البلد، فستنجح حينها نجاحاً كبيراً؛ هناك أناس كفوئين غير حزبيين تعرفهم جيداً تستطيع أن تستبدل بهم الحزبيين غير الكفوءين، وهناك رؤوس كبيرة للفساد قد تمادت في الفساد في الفترات السابقة وقد ساهمت بشكل كبير إيصالنا إلى الوضع المزري الذي نحن فيه اليوم، فلو وجهت إليها ضربات قاصمة وأودعتهم السجون كما طالبتك المرجعية الرشيدة وكما طالبك أبناء شعبك من المتظاهرين، فسيقف الشعب كله معك، وستسندك المرجعية الرشيدة، وستنجح في إنقاذ البلد من واقعه المأساوي، لقد نطقت بكلمة يمكن أن تخلد معك (لن أتراجع عن الإصلاحات ولو كلفني ذلك حياتي)، حينها سيخلد أسمك في التأريخ وسيكون أجرك عند ألله كبير وجزاؤك عنده عظيم.أما إذا بقيت متردداً، وبقيت حاشيتك نفسها، وبقيت أنفاسك الحزبية طاغية على أنفاسك الوطنية، وبقيت رؤوس الفساد طليقةً، فستنطبق كلمتك الخالدة على هذا الوضع حينما قلت  (الولاء الشخصي أو الحزبي يؤدي إلى تقديم المقربين على حساب المهنيين و هذا ظلم يدمر المجتمع ولن نسمح به) فسيستمر حينها تدهور البلد، وستستمر معاناة الناس، وسيدمر المجتمع، وأخشى أن لا يذكرك التأريخ بخير