حضرة قائد الجيش المحترم العماد جان قهوجي،
اسمح لي في مطلع الكلام ان أتقدم منكم، بما تمثلون شخصاً ومؤسسة، بأحر التعازي باستشهاد من قضى من ضباط وجنود الجيش اللبناني وباقي المؤسسات الامنية، راجياً ان يمن الله برحمة الشفاء والعودة الآمنة على الجرحى والمفقودين والمخطوفين من أبناء المؤسسات الامنية جميعاً.
ان الموقف الطبيعي والبديهي والمبدئي لأي لبناني، هو الوقوف الى جانب الجيش في المعارك التي يخوضها دفاعاً عن لبنان واللبنانيين، فكيف اذا كان الجيش اليوم هو الهدف، وكان لبنان مزنراً بكل هذه الحرائق. من هذا الموقع الوطني والمسؤول والمحب، قررت ان اكتب اليك علناً، آملاً ان يتسع وقتك، حين تنتهي المعارك بانتصار الجيش، ان تقرأ سطوري هذه التي اريد منها مصارحتك بما يجول في خاطر لبنانيين كثيرين، تسمعهم همساً هنا او حذراً هناك في ثنايا التصريحات السياسية لبعض القوى.
اعلم مسبقا ان ثمة من سيستل لواء اللياقة الأدبية للطعن في هذه الرسالة، ولكن هؤلاء ممن لا يريدون من اللياقة الا وظيفتها في قمع الصراحة وفرض رواية واحدة للأحداث وإطار فريد لفهم الامور وزاوية أحادية للنظر اليها.
حضرة القائد،
قرأت بعناية بالغة بيان مديرية التوجيه في الساعات الاولى للمعارك واستمعت باهتمام إلى مؤتمركم الصحافي، وفي الاثنين عبارة مشتركة ان الجيش “لن يسمح بنقل المعركة من سوريا الى لبنان”، ولم استطع منع نفسي من طرح السؤال التالي: لماذا لا تضاف جملة مكملة لهذه الجملة تفيد بان الجيش “لن يسمح بمشاركة ميليشيات لبنانية في الحرب السورية”. الواقع ان هذه ليست جملة متممة لجملتكم فقط، بل تتمة شرطية بحيث لا يمكن إنجاز المهمة الاولى بلا المهمة الثانية بما يحمي الجيش ويحمي لبنان وهذا مما يراد طمسه برفع صوت أهازيج وأناشيد دعم الجيش والوقوف صفا واحداً وراءه والالتفاف حوله وما الى هنالك من عبارات الهدايا المسمومة.
انتم سمعتم كما سمع كل اللبنانين امين عام حزب الله يدعو اللبنانيين إلى التقاتل في سوريا، كأنه لم يكفنا عشرون عاماً من حروب الاخرين على ارضنا، فبتنا نحتاج الى عشرين اخرى من حروبنا على ارض الاخرين! الحقيقة ان مثل هذه الدعوة، وهو العالم والعارف ان من يقاتل من اللبنانيين من خصوم حزب الله في سوريا لا يتجاوز المجموعات المتحمسة والمتشرذمة التي لا حاضنة سياسية او عملانية لها تشبه ما يوفره حزب الله لجيشه هناك، هذه الدعوة هي دعوة للآخرين ليأتوا ويردوا الصاع لحزب الله صاعين في لبنان، وها قد أتوا!!
حضرة القائد،
لا يجادل احد ان واجب الجيش اللبناني هو ان يصد بلا هوادة تسلل او عدوان اي مقاتل اجنبي على لبنان، ولكن الواجب أيضاً ان يمنع اي مقاتل لبناني من العدوان على ارض سورية مهما كانت ذريعة المقاتل. فجبهة النصرة تستخدم اليوم منطق حزب الله نفسه. هو يقاتل في سوريا دفاعا عن لبنان (بلا تفويض من احد بل عنوة) وهي تقاتل في لبنان دفاعا عن سوريا. هذه وقائع لا تلغيها لياقات اللحظة الراهنة، ولا مونة الجيش على المؤسسات الإعلامية كما حصل يوم لم ينشر حرف واحد عن انشقاق عريف في الجيش اللبناني قبل أسبوعين، ولا تصريحات زجلية لسياسيين اما يقيمون في ثقافة التقية او يزايدون من موقع المتهم في وطنيته وولائه.
ان القرار السياسي والسيادي اللبناني هو النأي بالنفس عن الحرب السورية، وهذا يعني ان الجيش امام خيار من اثنين. اما مواجهة عادلة ومتكاملة مع خارقي السيادة على الجانبين، من سوريا الى لبنان ومن لبنان الى سوريا، واما ان ينأى الجيش بنفسه عن حرب باتت تتخد طابعاً مذهبياً له تداعياته العميقة على لبنان كياناً ومجتمعاً ودولة، وليُهلك الظالمون الظالمين. وقد سبق في احداث السابع من ايار ٢٠٠٨ ان نأى الجيش بنفسه تحت عنوان عدم الدخول في حرب لها طابع الفتنة المذهبية! لا يكفي هنا ان يقال ان تلك الايام كانت بين لبنانيين وهي اليوم بين لبنانيين و”غرباء”. فانتم تعلمون حجم الانهيار الحاصل في طبيعة الدولة – الأمة وتغيير حدود الهويات من حدود وطنية (لبنانية سورية عراقية…) الى حدود مذهبية (سنة شيعة كرد مسيحيين…)!! كما حاذر الجيش في دخول فخ الفتنة المذهبية يومها (ولي رأي آخر هنا اتجاوزه) ينبغي ان يحاذر دخول فخ اشرس في ما يحصل بين لبنان سوريا.
حضرة القائد،
لقد تكونت في لبنان بحكم عدة عوامل ليس الان المجال لذكرها والخوض فيها، ثقافة سياسية تعتبر في اللحظات الحرجة وكلما واجهنا عدواً خارجياً، ان حزب الله مكون داخلي ووطني ينبغي شمله في مسألة التكاتف والتضافر وانه لا يشكل بحد ذاته خطراً على اللبنانين وعلى عيشهم وكيانهم ووحدتهم. يُفهم هذا الامر حين يكون العدوان اسرائيلياً. لكن ونحن نواجه بدماء الجيش والمؤسسات الامنية وامن الناس في عرسال وغيرها تداعيات الموقع والخيار الاستراتيجي لحزب الله الذي استدرج “جهاداً” مضاداً “لجهاده”، فالأمر لا يحتمل الزغل. حزب الله والنصرة وداعش وجوه عدة لصراع واحد يهدد لبنان كما يهدد كيانات عدة في الاقليم. وهنا ازمة الجيش وأزمة موقعه في هذا الحريق. وليست مهمة الجيش ان يساند جهاداً ضد آخر كي لا اقول إرهابا ضد آخر.
لقد وضعت هذه الثقافة السياسية الجيش في شراكة غامضة مع المقاومة، أي مع ميليشيا حزب الله. وباتت هذه الشراكة تلزم الجيش بالتعاون والتنسيق او بغض الطرف عن سلوكيات حزب الله، وهو اليوم في موقع المتلقي لتداعيات معركة قررها ويديرها حزب الله ويتعرض لما يتعرض له بسبب شبهة الشراكة مع حزب الله. اعلم مسبقاً ان هذه الشراكة ليست مسؤولية الجيش بل نتيجة قرار سياسي قديم تفلتت منه القوى السياسية تباعاً منذ بدأ الانقسام الكبير ظهيرة الرابع عشر من شباط ٢٠٠٥، وترك الجيش وحده مقيماً فيها وبالتالي دافعا لاثمانها كما اليوم.
حضرة القائد،
جيشنا الوطني في موقع الرهينة كما هو لبنان اليوم، مهما قيل لك غير ذلك ومهما حاولت ان تجمل من موقع المسؤولية الوطنية. ولكن اذا كان من مسؤولية اضافية تتحملونها فهي مسؤولية رفع الصوت في وجه السلطة السياسية ومطالبتها فوراً، اولاً بتحرير الجيش من هذه الشراكة الغامضة كي لا يدفع الجيش الا أثمان معارك يقررها هو، وثانياً بقرار سيادي يصدر عن الحكومة يحدد قواعد الاشتباك على الحدود بين لبنان وسوريا حقناً لدماء جنود وضباط المؤسسة العسكرية وصوناً لوحدة الجيش ووحدة لبنان.
انت أدرى الناس ان من مثلنا لا خيار له الا الدولة ولا ملجأ له الا هذا الوطن، وتستشعر معنا حجم النزيف الحاصل في الثقة بالدولة ومؤسساتها ومنها الجيش، وانا اشهد للحق حين اشهد لوطنيتك وصدقك وحرصك مهما ظلمتك الاحداث والهنات.
حضرة القائد،
تحرر وحررنا معك!
حمى الله لبنان وجيشه وشعبه ودولته ورد عنه شر مقاومته