23 ديسمبر، 2024 5:17 ص

رسالة مفتوحة الى السيد العبادي ..

رسالة مفتوحة الى السيد العبادي ..

وحدكم من تتحملون وزر انهيار العراق
في بلادنا التي أمست على “حافة الانهيار” إذا لم تكن قد انهارت بعد على حد توصيف الرجل الأول في القيادة التنفيذية للدولة رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي، لابد من وقفة مصارحة حقيقية تسمو فوق كل الاعتبارات الشخصية والتاريخية ليست وقفة تأمل، فالواقع لايتحمل ذلك، وليست وقفة نقد ونقد ذاتي فلقد تجاوزت الأحداث مثل هكذا وقفات، لنعترف أولاً أنكم فشلتم في تأسيس عراق جديد بعد 2003 ليس لأن البداية كانت خاطئة بكل ماحملته من أكاذيب وتضحيات مروّعة منذ وطأت القوات الأمريكية الغازية تراب هذا الوطن في نيسان 2003 ، بل لأن الاشخاص الذين تسيدوا الواجهة السياسية للبلاد لم يكونوا بمستوى الأحداث، لقد تصورت الطبقة السياسية التي تخرج من عبائتها السيد العبادي وقبله السيد المالكي والجعفري وعلاوي وعبدالمهدي والجلبي وعجيل الياور والطلباني وبرزاني والمطلك والجبوري والنجيفي، أن العراق ما بعد صدام سيفتح ذراعيه للحكام الجدد وهو يحمل لهم الزهور ويفرش لهم الطريق بسجادة حمراء وكان هذا من أول اخطائهم الكارثية التي قادت العراق إلى ما هو عليه اليوم، من تفكك وانهيار وسقوط حتمي، هؤلاء لم يعيشوا حيثيات وتفاصيل الواقع العراقي كما هي على الأرض، وكما عاشها المواطن العراقي البسيط منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي في أول مواجهة وأول الخطوات التي أعدت ليسير عليها العراق إلى نهايته التي دُق ناقوس خطرها في التاسع من نيسان 2003 حين تحوّل المجتمع العراقي والدولة العراقية من دولة بناء كانت تتهيأ لعبور الخطوط الحمراء، كدولة نامية إلى مصاف الدول المتقدمة، بجملة مشاريع عملاقة في البناء وإعداد البنى التحتية والتنمية البشرية لتُستدرج بطريقة ماكرة من قبل الأشقاء والاصدقاء إلى دولة مَدينة “عسكرياتية” كان كل هم قائدها الأوحد أن تحشد كل امكاناتها الاقتصادية والبشرية بطريقة عسكرية لمجابهة عدو يفوقها بثلاث أضعاف عددا وعدة، ليستمر ذلك النزيف البشري والاقتصادي لثمان سنوات خرج منها العراق وهو في أسوء ما يكون من ظروف معاشية واقتصادية وتنموية محملاً بديون فاقت ال400 مليار دولار، في وقت وصل فيه سعر برميل النفط أقل من عشر دولارات، ليسقط في فخ آخر رسمته له دوائر المخابرات الامريكية والغربية ومعهم اسرائيل بعناية، بعد استدراج ماتبقى من الماكنة الحربية العراقية المتهالكة إلى السقوط في فخ الكويت، وما تلى تلك المؤامرة من استهداف غير

مسبوق للعراق في أرضه وتاريخه وصناعته واقتصاده وشعبه وقوت يومه، ليعود العراق القهقرى إلى عشرات السنين، متخلفاً عن ركب محيطه الإقليمي والدولي وهو يلعق جراحاته ويحاول أن يلم شتاته بعد الهجمة العنيفة التي تعرضت لها البلاد بعد أحداث ربيع 1991 أو ما عرف”بالانتفاضة الشعبانية” والتي كانت المعارضة العراقية ونفس الشخوص الذين تولوا زمام القيادة بعد 2003 هم أنفسهم من تولى قيادتها والتحشيد لها من وراء الحدود، حين تركوا الاف العراقيين في المحافظات الوسطى والجنوبية لقمة سائغة للآلة الحربية والأمنية للنظام السابق، بعد أن أوهموا الجميع بأن سقوط النظام بات مسألة ساعات وإن بغداد قد سقطت نهائياً في قبضتهم، تلك الأحداث والدماء مسألة أخرى وموضوع آخر، الطبقة السياسية العراقية الحالية لم تعش تلك المخاضات الخطيرة التي كلفت العراقيين الأنهار من الدماء والخراب والتشريد والتجويع، على وقع القرارات الدولية الصارمة التي شرعت تحت الفصل السابع بعد اصدار القرار 661 في 2 / اب 1990 . هؤلاء الساسة لم يعيشوا وجع المعاناة الحقيقية التي عانى منها العراقيين ودفعوا ثمنها غالياً من أرواح أطفالهم وأولادهم وهم يموتون بين أيديهم ولا قدرة لهم على الحصول على الدواء بسبب الحصار الذي فرضته الأمم المتحدة تحت قيادة الولايات المتحدة الامريكية، هؤلاء الساسة والقادة كانوا يعيشون هم وأسرهم مرفهين تحت حماية نفس الدول التي كانت تحاصر شعب العراق وتميت ابنائه في واشنطن ولندن وباريس وبروكسل وروما وبرلين، ومن دفع الثمن هم وحدهم عراقيوا الداخل المنكوب بالدكتاتورية والحصار الدولي والعربي، وتلك واحدة من أخطائهم الكارثية التي ساهمت بطريقة مباشرة بتجويع هذا الشعب والنيل منه حينما حشدوا الإعلام العالمي والسياسي ضد العراق بحجة محاربة النظام، لكن النظام بفيّ صامداً ومن تعرض للتجويع والإهانة هو الشعب العراقي ومن تعرض للتدمير هو العراق، بكل تراثه وتاريخه ومؤسساته الاقتصادية والعلمية والعسكرية، كما حصل مع مؤسسات التصنيع العسكري، ومؤسسة الطاقة الذرية، والالة العسكرية للجيش العراقي، كل ذلك يمكن اعتباره صفحة منطوية من تاريخ العراق المعاصر وما حدث بعد 2003 هو صفحة اخرى وتاريخ جديد للعراق والعراقيين مع هؤلاء الساسة، فلقد توقع الكثير من العراقيين بما فيهم كاتب المقالة أن العراق بات على موعد جديد مع الحياة المدنية والديمقراطية والعيش الرغيد الذي سيطوي كل صفحاته القديمة المحزنة مع وصول جيل سياسي جديد سيتولى إدارة الدولة التي كانت تتمرغ في وحل الهزيمة والضياع الذي أوقعوها به بمساعدة الالة الحربية الأمريكية والدولية، فمعظم هؤلاء السياسين كانوا من كفاءات التكنوقراط ويحملون الشهادات الأكاديمية العليا في

الاقتصاد والعلوم السياسية، فالسيد أحمد الجلبي يحمل شهادة الدكتوراه في الرياضيات من جامعة هارفارد وكان والده وزيراً في العهد الملكي. والسيد حيدر العبادي حاصل على الدكتوراه من جامعة مانشستر في بريطانيا، والسيد الجعفري حاصل على شهادة كلية الطب من جامعة الموصل، السيد عادل عبدالمهدي غير متحصل على شهادة عالمية لكنه عاش شطرا كبيرا من حياته في باريس وكان والده ايضا وزيرا في العهد الملكي، والدكتور اياد علاوي حاصل على الدكتوراه في الطب من جامعة لندن، والسيد نوري المالكي حاصل على الماجستير في اللغة العربية من جامعة صلاح الدين وجده ابو المحاسن من قيادات ثورة العشرين، والسيد صالح المطلك حاصل على دكتوراه في هندسة البيئة من جامعة ابردين في اسكتلندا، والسيد سليم الجبوري حاصل على شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة النهرين العراقية. هذه نماذج وعينات من من النخبة السياسية التي تسيدت المشهد العراقي وكانت السبب المباشر لما آلت اليه أحوال العراق بعد 2003 وكانوا يتبادلون الأدوار على قيادة العراق في المناصب التنفيذية والتشريعية خلال أكثر من اثنتي عشر سنة ماضية، وهم من أوصل العراق الى ما هو عليه اليوم من نكبات.

اليوم يتحدث السيد العبادي عن ضرورة أن يتحلى الجميع باللياقة ويتحملوا عبء ما حصل ويحصل، وما ينتظر العراق من مصير أسود، السؤال الذي يطرحه المواطن العادي من أوصل العراق الى ما هو عليه اليوم؟

من قاد العراق خلال كل تلك السنوات؟ من كان يرأس وزاراته؟ ومن كان يدير عجلته الأمنية والاقتصادية؟ ألم يكن السيد العبادي جزءاً من هذه الالة الفوضوية التي قادت العراق خلال تلك السنوات؟ ألم يكن رئيساً للجنة الاقتصادية والمالية لدرورتين في مجلس النواب؟ ألم يكن مسؤولا عن وضع خططه المالية والاقتصادية لأكثر من عشر سنوات! من أوصل العراق الى ماهو عليه سيادة الرئيس هو أنت ومن جاء معك بمساعدة القوات الأمريكية، فرحاً ليقطف ثمار تضحيات ودماء والآم عقود من السنين لشعب أعزل مغلوب على أمره أوهمتوه كذباً انكم ستفتحون له أبواب الجنة، فإذا بكم تفتحون له أبواب الجحيم وقدتم أبنائه الى مجاهل الموت والتقتيل والتغييب والتهجير، وفرطتم بسيادة أرضه، ومرغتم كرامته بالتراب، لن يكون هذا الشعب بعد اليوم شاهداً على أخطائكم وخطاياكم ولن يكون شريكاً لكم في أخطائكم وسرقاتكم ونهبكم لثروات العراق وقتل أبنائه. الشيء الوحيد الذي أبدعتم به، هو أنكم نجحتم وطوال السنوات الماضية من أن تخدعوا هذا الشعب المسكين تحت شعارات عقيمة، كالمظلومية والثأر لآل البيت. وتناسيتم أن البلدان والشعوب تبنى بالمحبة والتوافق والتسامح والصفح والعزيمة. وقبل كل شيء بالصدق والأمانة، وليس بالاستغفال والادعاءات الفارغة

والضحك على الذقون، والنبش في بطون التاريخ للبحث عن فزاعات تخيفون بها الناس وترعبون بها من هم من ابناء جلدتكم، ما هكذا تبنى الأوطان دولة الرئيس. لا تبنى بالشهادات العلمية والجامعات العالمية، بل تبنى بالعقل المتنور والمنفتح على الآخر، تبنى بالتوزيع العادل للثروات على أبناء الشعب، وليس بالسرقات والنهب والعمولات، تبنى الأوطان بالمشاريع العملاقة في البنى التحية وليس بالمشاريع الوهمية، تبنى بالاكتفاء الذاتي للموارد الطبيعية والبشرية، كما يحدث في دول الجوار والعالم، وليس على الاعتماد على موارد النفط القابلة للمساومات والمضارابات المالية في أسواق البورصة، تبنى بالزراعة والصناعة والتنمية البشرية، وليس بالمحاصصة، في بلد يعيش به كل هذا التنوع السكاني من مسلمين ومسيحين وايزيدين وعرب وأكراد وتركمان، ولن يُبنى بشحذ السكاكين وتجييش الجيوش بل بتآلف القلوب، كانت انجازاتكم الباهرة أن جعلتم من العراق دكاكين حزبية، وكانتونات طائفية يحتمي بها المواطن من بطش الميليشيات والمنظمات المسلحة، ومن انجازاتكم أيضاً تشريد أكثر من 12 ألف كفائة علمية وإجبارهم على مغادرة العراق قسراً، وإلا فأن مصيرهم الخطف أو التغييب أو القتل، كان من إنجازاتكم العظيمة أيضاً أن يكون في العراق 8 مليون أرملة كما ذكرت تقارير الأمم المتحدة، مستندة على سجلات وزارة شؤون المرأة أي بما نسبته 65% من عدد نساء العراق، وان عدد ايتامه قد تجاوز ال 4مليون يتيم. تلك هيّ انجازاتكم العظيمة دولة الرئيس، وذلك هو ما أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم، نحن لسنا على حافة الهاوية كما ذكرت، بل نحن في وسط الهاوية. وفي أعماقها، وكل ما عليكم فعله الان هو أن تنفضوا أيديكم وتتحلوا بشرف المسؤولية وتواجهوا أنفسكم وشعبكم بكل صدق وأمانة، لتعلنوا للجميع انكم وصلتم الى نهاية المطاف، بعد هذه السنوات العجاف وبعد كل ماخسرناه من دماء وأرواح وممتلكات وسيادة وطنية.

اتركوا العراقيين يبحثون عن وجوه جديدة تقودهم لبر الامان، فهذا الشعب لم يعد باستطاعته أن يدفع المزيد من أرواح ابنائه وقوت يومه والتفريط بما تبقى من أرضه، كونوا بمستوى المسؤولية الأخلاقية وليس السياسية لمرة أخيرة. واستمعوا لصوت الشعب الذي هو صوت الحق وضمير الوطن، ودعوا هذا الشعب لحاله يختار من يختار بعيداً عنكم، فلقد ارتكبتم ما ارتكبتم من أخطاء، وأخذتم أكثر مما تستحقون، دون أن تكلفوا أنفسكم عناء بذل الجهد مقابل ما تحصلتم عليه من ثروات العراق وأمواله، في النهاية انتم وحدكم من يتحمل الوزر، وانتم وحدكم من سيغرق في سفينة الإفلاس، وسيظل العراق كما عهدناه بشعبه وتاريخه وتراثه وحاضره ومستقبله عصياً على كل الطغاة والمتجبرين والطارئين.