23 ديسمبر، 2024 8:56 ص

رسالة مفتوحة إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله السيد علي الخامنئي

رسالة مفتوحة إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله السيد علي الخامنئي

سماحة آية الله السيد علي الخامنئي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بداية أرجو من الله تعالى أن تكونوا بخير وصحة وعافية. لا يخفى على الجميع دور سماحتكم في نشر مبادئ الوحدة والتسامح بين المسلمين والتقريب بينهم من منطلق الأهداف الكبرى في تحقيق العدالة الإلهية والسلام العالمي. ولكن لا أخفي عن سماحتكم أن هذا الدور المبارك تعرض للخفوت والإنزواء منذ إنطلاق ثورات الربيع العربي، وقبل ذلك بوقت طويل، بسبب الممارسات الخاطئة للجمهورية الإسلامية تجاه مكونات الشعب الإيراني المختلفة، كالشعب الكُردي والبلوشي و العربي على سبيل المثال.
مبعث هذه الرسالة هو مناشدة سماحتكم من أجل إطلاق المعلمة الكُردية زهراء محمدي التي تم الحكم عليها بالسجن لمدة خمسة أعوام بتهمة الإخلال بالأمن الإيراني. وهذه التهمة جاءت في إثر قيام زهراء بتدريس أطفالٍ كُرد لغتهم الأم في بيتها وفي غرفة متواضعة لا تتسع إلا لبضعة أطفال. إن مساحة الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي مليون وستمائة وثمانية وأربعون ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانها هو خمسة وثمانون مليون نسمة. هذا في وقت نجد أن قوات الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتواجد بكثافة في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن، ناهيك عن ترسانة عسكرية ضخمة وحضور دولي كبير. والسؤال في ظل هذه المعطيات هو، كيف تشكل معلمة في بلدة نائية وفي زاوية بعيدة خطرا على هكذا دولة قوية، بمجرد تعليم بضعة أطفال لغتهم الأم؟!
في الواقع، إذا كانت تهمة سجن زهراء محمدي هي الإخلال بأمن الدولة الإيرانية، فهذا يشكل إهانة كبرى ومتعمدة لسمعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الأوساط الدولية، إلى حد السخرية ليست فقط من دولتكم الموقرة، بل وحتى من المبادئ المباركة التي تأسست عليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فالناس بطبيعتها تتسائل عما إذا كانت الجمهورية الإسلامية هشة إلى هذه الدرجة، أن تشكل معلمة كُردية الإخلال بأمنها، بسبب تعليمها للأطفال لغتهم الكُردية. إذا كان تعليم اللغة الكُردية لأطفال الكُرد ممنوعا في الجمهورية الإسلامية ومحرم شرعا، فهذا مجال آخر، ومن الممكن تفهم إصدار حكم السجن على زهراء بخمسة أعوام، لأن ذلك يشكل في هذه الحال خرقا لقوانين الإسلام والدولة. هل الإسلام يحرم أن يتعلم الأطفال لغتهم الأم؟! أما إعتبار ما قامت به هذه المعلمة الكُردية تهديدا لأمن الدولة، فهذا مثير حقا لإستغرابنا وإستغراب المسلمين وحتى المتعاطفين مع دولتكم، وفي نفس الوقت مبعث على سخرية أعداء إيران والجمهورية الإسلامية منهما.
إن مئات الجاليات التي تنتمي إلى قوميات وطوائف شتى في أرجاء المعمورة تعيش في دول الغرب (أمريكا وأوروبا وأستراليا ونيوزيلندا)، وتتمتع بحرية كاملة في تعليم أبنائها لغتهم الأم وثقافتهم وتراثهم. كما أن الألاف من مساجد المسلمين (سنة وشيعة)، ومعابد الأديان الأخرى عامرة في بلدان الغرب. إن الدول الغربية ليست فقط لا تمنع هذه النشاطات الدينية والثقافية فحسب، بل وتشجعها وتصرف ميزانيات مخصصة لدعمها وتنشيطها. وإن هذه الدول الغربية تخجل من نفسها أن تعتبر أي نشاط ثقافي لأي مجموعة عرقية أو دينية أو ثقافية مخلا بأمنها، وتأبى أن تضع نفسها في هكذا موقف مخجل ومحرج حقا.
إذا فتحنا الآلاف من الملفات الأخرى في الجمهورية الإسلامية في تعاملها مع المسلمين و والمكونات الثقافية والعرقية والقومية، فإن الأمر محزن للغاية. ومبعث الحزن، أن جمهورية تأسست من منطلق الدفاع عن مظلومية أهل بيت النبي صلى عليه وآله، والذود عن الزهراء بنت رسول الله وأولادها عليهم السلام، ها هي تمارس نفس الظلم والعدوان، بحق زهراء أخرى، وأبناء آخرين من الولدان الذين لا يقدرون على الدفاع عن أنفسهم.
سماحة مرشد الجمهورية الإسلامية، مالفرق من حيث حقوق الإنسان، بين إقتحام بيت الزهراء بنت محمد صلى الله عليه وآله، إبان وفاته، وبين إقتحام بيت زهراء محمدي وجرّها أمام الأطفال إلى سجن ظالم ومظلم؟ هل تقبل الزهراء بنت محمد عليهما الصلاة والسلام بهذا العدوان والظلم؟ هل يقبل الإمام علي وأئمة أهل البيت الأطهار بهذا العمل الذي قامت به الجمهورية الإسلامية؟ أليس حريا بالجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تسأل نفسها، لماذا نشأت بين المسلمين ردات فعل عدوانية وغير لائقة ليست فقط ضد الجمهورية الإسلامية، بل وحتى ضد أهل البيت عليهم السلام، والأنكى ضد الإسلام نفسه؟ لذلك فإن هذه الممارسات، قبل كل شئ، هي ظلم وعدوان بحق الإسلام وبحق أهل البيت عليهم السلام، لأنها تكرّه الناس فيهما وتثير الأحقاد والضغائن تجاه كليهما.
سماحة السيد علي الخامنئي حفظه الله تعالى ورعاه،
لقد مضى من عمر سماحتكم جلّه، وأنتم تمضون نحو الحياة الآخرة، لملاقاة الله سبحانه. أنا أدعو الله عزوجل لسماحتكم بطول العمر والعافية في ظل رحمته، ولكن بحسب التقديرات الحياتية في هذه الدنيا، فإن سماحتكم أصبحتم في قاب قوسين أو أدنى من أجل الدنيا والورود على الآخرة. وحري بالإنسان المسلم أن يطهر ساحته ويبرئ ذمته أمام الله تعالى وأمام الناس، لأن الظلم يوم القيامة ظلمات. ومن هذا المنطلق، ومن منطلق الدفاع عن قيم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، أناشد سماحتكم باعتباركم المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية وصاحب أعلى سلطة فيها، أن تستعملوا سلطاتكم لإطلاق سراح زهراء محمدي وكافة المساجين الذين أعتقلوا بسبب إنتماءاتهم القومية والسياسية. إن من شأن هكذا مبادرة على أسس العفو والمسامحة، وهما من الخصال المتجذرة في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، أن يعطي دفعة مناسبة لإبراز وجه غير هذا الوجه الذي تظهر به الجمهورية الإسلامية، وهو وجه ملئ بالظلم والتعسف وما هو محبط لأهل الإسلام، ومثير لسخرية أعداء الإسلام وأعداء أهل البيت وأعداء جمهوريتكم الإسلامية. وفوق هذا، فإنه يكون في يدكم العمل الصالح الذي تبرؤون به ذمتكم أمام الله عزوجل في يوم قريب، يعتقد المؤمنون بقربه أقرب من لمح البصر.
أدعو الله عزوجل أن يلهم قلبكم أن تبادروا بإصدار عفو عام عن زهراء محمدي، وكافة المساجين من الكُرد وغيرهم، من الذين أعتقلوا بتهم سياسية وأمنية. وكلي أمل أن لا تخيبوا ظن المناشد وظن الذين يربأون بكم الوقوع في ماهو محزن لأهل الإسلام ومفرح لإعدائه. وفوقنا جميعا هو الله الحي الذي لا ينام، والذي لا ترد عنده شكوى المظلومين الذين يرفعون أكف الضراعة، ويستغيثونه بقلوب محروقة ودموع لا تتوقف سلاسلها من أعينهم. والويل كل الويل لمن أخذ بمظالم الناس إلى عند الله العزيز الجبار. وكفى برسول الله صلى الله عليه وآله واعظاً إذْ نادى في المسلمين جميعاً: من كان له حق عليه أو مظلمة ليردها له فليطلبها الآن قبل الآخرة وقد تلى حديث الله عزوجل القدسي (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا…).
أرجو أن يستجيب سماحتكم لهذه المناشدة وعلى الله سبحانه قصد السبيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

السادس من جمادي الآخرة عام 1443 للهجرة النبوية الشريفة.