كم كنا نتمنى أن تخرج تظاهرات باسم أساتذة الجامعات , نرى فيها لافتات ترفع شعارات ترتقي إلى الوعي الذي من المفترض أن يمثل نخبة العراق , فلافتة ترفع شعار الإصلاحات الاقتصادية وأخرى تحمل شعارا يدعو إلى العدالة الاجتماعية وثالثة تدعو إلى إصلاح المؤسسة القضائية ورابعة تدعو إلى معالجة المشكلة الأمنية , هكذا كنا نأمل أن تخرج النخب العلمية والتربوية لتكون أسوة وقدوة للجميع طبقات الشعب , لكن مع ما يملك أساتذتنا من اختصاصات , ومع ما يحملونه من تراث علمي وفكري , خرجوا للمطالبة بإصلاح أو بإلغاء سلم الرواتب الجديد , وكأن مشاكل العراق ستنتهي بتعديل بزيادة الدخل الشهري , إذن ما هو الفرق بين إنسان بسيط يعمل في دكانه أو كحارس أو كموظف خدمة وبين أستاذ جامعي إن لم يميزهم الوعي البعدي في أن الصلاح إنما هو حالة ترتبط بجميع مفاصل الحياة الاجتماعية وهو منظومة مركبة من معالجة جميع القوانين , وليس قضية شخصانية ترتبط بمدخول الفرد , وان العراق يحتاج إلى تغيير جذري .
إن المبدئية في الحياة تعتمد سلوكاً ووعياً يُمنهج التخصصات الأكاديمية في إطارها ,والمبدئية حالة يعيشها الإنسان ويتربى عليها ويتخذها منهجا وغالبا ما يسير بها عكس التيار المادي والمصلحة الآنية , عندها يصبح قدوة وأسوة , وسبيلا للخلاص وللنجاة , والعراق لم يخلوا في حقبة من عالم يحمل تلك المبادئ وهاهو يطلق من بين أبناءه عالماً وناشطاً وإنساناً رسالياً مضحياً بمعنى الكلمة هو المرجع العراقي الصرخي الحسني فليكن قدوة لنا فهو الأكاديمي المهندس والمرجع الذي ضحى لوطنه والمتظاهر الذي وقف مع أبناءه وإخوانه , وما بيان “الكهرباء … أو … الأطفال والنساء والدماء ؟؟!!” إلا شاهدا على المبدئية الرصينة وعمق المسؤولية التي يجب أن يتحملها ويتمسك بها الإنسان الرسالي , والأستاذ الجامعي هو صاحب رسالة تربوية قبل أن يكون موظفا لأجل لقمة العيش وكلنا أبناء هذا الوطن الواحد ما نصنعه سنصنعه لأبنائنا فلنرتقي إلى ما أراده الناشط والمتظاهر الصرخي الحسني حيث يقول في بيان وجهه للمتظاهرين “
( وهنا لا بدَّ من النُصْح والتنبيه لإمور منها……
2ـ أعزائي أبنائي أهلي ، إنَّ خروجكم وتظاهركم من أجل الكهرباء يعني أنَّكم لم تخرجوا من أجل الأكْلِ والشُّرْبِ والجوع والعطش أي أنّها متوفرة ولا تُعانونَ منها ، فاعلموا أنكم لو خرجتم من أجل الجوع والعَطَشِ لكُنْتُم موردَ إنتقادِ أميرِ المؤمنين عليه السلام ونَهْيِهِ عن ألّا نكونَ كالبهائم هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تجرّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ وتركب طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ ، هذا في الجوع والعطش فكيف في الكهرباء ؟!! فلا تجعلوا الشعوب تضحك علينا والتأريخ يسخر ويستهزئ بنا بسببِ تمسّكِنا بقشورٍ وفتاتٍ وتَرْكِنا للأهمِّ واللبِّ والأساس من الدين والأخلاق والأنْفُسِ والدماء والأعراض والأموال .
3ـ كل الشرفاء معَكم ، معكم في مطالبِكم ، وهو أبسط حقوقِكم وقد سَرَقَهُ السرّاق الفاسدون كما سرقوا كلَّ شيءٍ منكم ومن بلادِكم ، لكن هل تظاهراتُكم ستنتهي فقط عندما يوفِّر لكم المسؤول ساعةً إضافيةً أو أكثر من الكهرباء ، أو عندما يماطل معكم المسؤول ويخدعكم فيكسبَ الوقتَ فتمرّ الأيام وتنتهي موجةُ الحرّ الحارقة وينتهي كلُّ شيء وكأنَّ شيئاً لم يكن ؟!! فينطبق عليكم ما قالَه الإمام علي عليه السلام : {{ أَتَمْتَلِىءُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ ؟ وَتَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ ؟ وَيَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ ؟! قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ وَالسَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ ، طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا ، وَعَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا }} …………….
6ـ بالتأكيد نحن معكم لأننا مِنْكم وفِيكم ومَعَكم وإلَيْكم ، فلَسْنا من الهند أو الباكستان أو أفغانستان أو الشيشان أو إيران أو غيرها من بلدان ، بل نحن من العراق ومن أهل العراق نشعر بمعاناتِكم ونتألّم لآلامكم ونحزن لحُزنِكم ، لكن هل سألتُم أنفسَكم هل الأوْلى والأرجَحُ والمتعيَّنُ والواجبُ أن تخرجوا من أجل الكهرباء لأنفسِكم الآن وفي هذا الوقت وهذا الحَرّ الحارق أو أن تخرُجوا من أجلِ إخوانِكم وأهلِيكُم وأطفالِكم ونسائِكم وشيوخِكم وأعراضكم النازحين المهجَّرين الذين سكنوا العراء ، والسعيد منهم من يحصل على خيمة ممزقة يحتمي بها ، تحرقُهم حرارة الشمس ولهيب الحر ويلسعُهم ويقرصُهم ويجمّدهم زمهرير البرد وهم عُطاشى جياع مرضى في رُعْبٍ وذلٍّ وَهَوانٍ ومنذ سنوات لا أملَ لهم في النجاة بل لا أملَ لهم في الحياة ، عشراتٌ بل مئاتٌ منهم من الأطفال والنساء والشيوخ ماتوا من لهيب الحرِّ ، ومِثْلُهُم ماتوا تحت قساوةِ البرد .
7ـ بكل تأكيد نحن معكم وننصَحُكم ، فهل سَألتُم أنفسَكم ، إننا نَخرُج من أجل الكهرباء وحَوْلَنا من أهلِنا وعشائِرِنا الأبرياء المسحوقين المستَضعَفين المرعوبين الذين تَحلُّ بهم وتقعُ عليهم كلَّ يومٍ بل كلَّ ساعةٍ مجزرةٌ بذبحٍ وحرقٍ وإطلاقِ نارٍ وقذائفَ مدفعيةٍ ودباباتٍ وصواريخَ وبراميلَ متفجرةٍ ومفخّخاتٍ ، فأين أنتم منهم ومن معاناتِهم ومن الخروجِ بتظاهراتٍ من أجلِهم والتخفيفِ عنهُم ، فأين أنتم من قولِ إمامِكم أميرِ المؤمنين عليّ عليه السلام : {{ وَلكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ ، وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الأطْعِمَةِ ، وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوِ بِالْـيَمَامَةِ مَنْ لاَ طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ ، أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى ، أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ : ( وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ …. وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ )}} .
8ـ أنا معكم معكم معكم في الخروج بتظاهرات من أجل التغيير الحقيقي الجذري وليس من أجل التغرير والإبقاء على الفساد والفاسدين ، وإلّا فالقعود والسكوت أوْلى وأرجَح .)