الدكتور حيدر العبادي المحترم،
رئيس مجلس وزراء العراق الحالي والمقبل انشاء الله .
أهنئكم والقوات المسلحة العراقية وشعب العراق بتحقيق الانتصار على داعش.
أما بعد ،
ففي غمرة الاحتفالات بالانتصار على داعش ، أعلنتم الحرب على الفساد . والفساد في العراق ، وفي اي بلد يحلّ فيه ، هو آفة الوطن والمواطن . ينتقل بسرعة غريبة في المؤسسات والافراد وبمختلف الاتجاهات ، في السياسة والادارة والمال والثقافة والاعلام وفي المجتمع وفي الافراد وفي كل مجالات الحياة . وفي البلد الذي يتحول فيه الفساد الى ثقافة ، تبدأ من رئيس المؤسسة وتنتهي باصغر مستخدم فيها بمن فيهم الجايجي، يصبح الانتصار عليه تحدّيا اين منه الحرب على داعش . فهذه الحرب لاتعني فقط جلب الفاسدين والمفسدين الى القضاء واسترجاع الاموال التي سرقوها ، فهذا اهون شيء لو توفرت الارادة ووجد النصير . ولكن عندما يصبح الفساد ثقافة ، فمن غير السهل ان تصادف نزيها. ، فاما ان يشارك وسطه بالفساد ، أو يتركه ويفوز بنزاهته ، معتزلا في بيته أو مغادرا الى ارض الله الواسعة . .
دولة الرئيس ، نتمنى ان تؤسس الانتخابات القادمة ، وما يتمخض عنها، لمرحلة جديدة من عمر الدولة العراقية التي تشكلت بعد 2003 ، ونتمنى ان نراكم على رأسها . بيد ان الكل يعرف كيف تشكلت تلك الدولة وعلى اي اساس ولأي هدف . لقد عشنا وشاهدنا امام اعيننا كيف مزقت العملية السياسية التي قامت عليها تلك الدولة شعب العراق وزرعت الكراهية بين مكوناته ، وشرّعت الفساد ومكّنت داعش من ان ينمو ويترعرع في أحضانها، ثم يحاول الفتك بها بعد حين . فهل تستطيع يا دولة الرئيس اعادة النظر في العملية السياسية ، حتى لا يعاد انتاج المشهد مرة أخرى!
بعض حيتان الفساد من رهطك وفي الحلقة القريبة منك ، وبعضهم يتكأ على جوار قريب أو على بعيد مريب، وبين القريب والمريب يضيق هامش المناورة ، فلا هذا ولا ذاك يوفر لك فرصة اتخاذ القرار ، وارضاؤهما مثل القابض على الريح ليس في كفّه شيء. فهل تمتلك جرأة القيام بالفعل!
ليس اكثر فسادا من ان يكون السلاح خارج سلطة الدولة . ومهما سيقت الحجج لتسويغها لايمكن القبول بها ، لأنها لا تستقيم مع شكل الدولة وجوهرها. السلاح خارج سلطة الدولة يعني لايوجد قانون ولا يوجد نظام ولا توجد دولة ايضا . وحذار من ان يلتف البعض على هذا الامر عبر تصريحات ووعود عرقوبية . فلا زال هناك من له مصلحة في ان يكون السلاح بيده لا بيد الدولة ، لأنه يؤسس لدولة فاشلة هو القويّ المتنفذ فيها ، وكما هو معروف فان الدولة الفاشلة هي المرحلة النهائية قبل سقوط الدولة . فهل يمكنك يادولة الرئيس الحفاظ على الدولة !
ان صناعة دولة السيد بريمر العراقية عام 2003 وآليات اتخاذ القرارات فيها وتشكيل مؤسساتها وتراتبية عناوينها ، كلها صمّمت على مقاسات الطائفية السياسية التي شرّعت الفساد السياسي الراعي للفساد العام . ولا زال الوضع على حاله لحد الآن . وبمرور الوقت تأكدنا من دون ريب ، ان الطائفية السياسية هي أوكسجين الفساد وفي فراشها ينتعش ومنها يتغذى وفي ارضها تموت المواطنة . وعندما تموت المواطنة يصبح الفساد حلالا . فهل بامكانك يا دولة الرئيس تصحيح المسار !
ان تصحيح المسار ، والبدء بمرحلة جديدة في عمر الدولة العراقية لتصبح دولة في عداد دول مجموعة العشرين ، كما عبّرت عن رغبتك في ذلك يا دولة الرئيس ، يبدأ بالدولة المدنية التي تنبذ وتجرّم الطائفية السياسية . الدولة المدنية الراسخة بمؤسساتها القائمة على الديمقراطية الحقيقية والمساواة والمساءله والعدالة والنزاهه والشفافية هي وحدها القادرة على محاربة الفساد والانتصار عليه ، وليس الدولة المدنية الكومفلاج التي تختفي وراء مسميات جذّابة وتضفي على مضمونها الطائفي شكلا مدنيا . فهل باستطاعتك يا سيدي ان تتحرر من ضائقة الحلقة التي انت فيها وتسكن في رحاب الشعب وفي أرجاء الوطن الكبير بدل الانزواء في حضن صغير لاترى العالم الاّ من خلاله ولا الدنيا الاّ وفق تصوره! !
لاتستطيع شنّ هذه الحرب بمفردك يا دولة الرئيس ولا بالكلام والاماني والعواطف ، بل هي حرب ينبغي ان تستوفي شروطها ومتطلباتها الاساسية . وأولها وجود قيادة سياسية قوية ومتجانسة ومؤمنة بالتغيير وجريئة في الاعتراف بالاخطاء وتصحيحها ، تضع على راس اولوياتها الحرب على الطائفية السياسية ، وان تمتلك ارادة حقيقية وقوية في الاستمرار في هذه الحرب والانتصار فيها من خلال مؤسسات قانونية نزيهة ومستقلة، ووسائل انفاذ للقانون لاتتحرك الاّ بأمر القضاء ، ناهيك عن دور الاقتصاد والمال و الاعلام والتعليم والتربية والثقافة وغيرها وتوجيهها بالشكل الذي يخدم المجهود الحربي. هي حرب مستمرة محفوفة بالمخاطر ، وعلى جبهات متعددة ، والاعداء الكثر فيها هم الاقربون .
لايوجد لدينا ادنى شك في صدقية المسعى ، ولكن الريبة في الوصول الى الهدف . وقديما قيل : الضرية التي لا تقصم الظهر تقوّيه. .