من مدينة الموصل، مدينة الأنبياء والشهداء، مدينة الحضارة التي قاومت النسيان واستطاعت أن تصمد في وجه عاتيات العصر… من قلم ابن ذلك الفلاح الريفي الذي ما زال يعيش مع أطلال تلك القرية في منطقة جنوب الموصل أرسل إليك هذه الكلمات وهي تحمل معها عبق دجلة، وصدى الأذان في الجامع الكبير ومعه تردد الترتيل منارة الحدباء الشامخة كشموخ الجبال في كردستان وكعفوية الأهوار في جنوب العراق الباقية شاهدة على العصر وعلى طغيان الإنسان وظلمه للتاريخ. من هنا، مع نداء العشاق من فوق الأطلال القديمة في قلعة باشطابيا الأثرية وتل السبت في حمام العليل، وعروس الشمس في مدينة الحضر…
نكتب إليك من قلب العراق، نبض العروبة الذي لا ينقطع، حيث الحروف ما تزال تولد من الرماد، وحيث القلوب تقرأك لا ككاتبة فحسب، بل كرفيقة وجدان، كصوت صدح بالأنوثة والكرامة، كنجمة عربية ما زالت تضيء سماء الأدب بلغة لا يشبهها أحد، نعم إنك نسمة من الهواء تلفح أجسادنا من المحيط إلى الخليج…
أحلامنا وحلمنا وحليمتنا…
قرأناك في الليالي العصيبة، حين كانت أصوات الانفجارات أعلى من همس القصائد، فوجدنا فيك بوحاً يشبهنا، وحلماً لا يغادرنا. كلماتك رافقتنا كضوء خافت في النفق، كذاكرة لا تموت في مخيماتنا التي اصبحت في يوم من الايام منازل لنا ولعوائلنا. وأنت تخاطبيننا بملحمتك الأدبية “الأسود يليق بكِ” (2012): تحكين لأختك العراقية قصة فتاة جزائرية تواجه تحديات الحب والهوية. تشتركين معها في نفس الهموم بالقول والفعل وكأنك كنت بيننا في المدينة القديمة…
اليوم من الموصل، نهديك وردة الحب والاشتياق، واعترافاً منا بكل نتاجاتك، رواياتك، مقالاتك، نصائحك، متابعيك، وجمال أدبك الذي وحّد القلوب عبر الحدود، نهدي لك باقة ورد من أم الربيعين تهديها لك نسمات موصلية إلى أنوثتك الصلبة، تقول لك أنتِ منا ونحن منك.
أيتها المرأة المشعة بحضارات ولغات العالم ولكن لسانها وقلمها ينطق لغتها العربية وبكل فخر واعتزاز… دمتِ للغة نبضاً، وللعروبة صدى. فأنت قد تجاوزت كل العبارات بتميزك وروحك الوطنية لأنك قد استطعت أن تعبري عن قضايا وهموم وطن بأكمله وعن هوية تكاد أن تكون قد اندثرت ببعض معانيها…
إن أسلوبك الروائي الفريد جعل من رواياتك أن تعد صوتاً مهماً في الأدب العربي المعاصر…
فروايتك “ذاكرة الجسد” في عام 1993 التي اشتهرت من بين أعمالك المميزة وحصلت عليها على جائزة عالمية في الأدب وأنت تتناولين فيها قصة ذلك المضحي الذي فقد ذراعه في الحرب.
أحلام مستغانمي،
كل أعمالك جميلة كجمال قلبك، كل موضوعاتك تتحدث عن الحب والهوية والوطن، عن المغرب العربي وعن المشرق، عن همومنا، عن سعادتنا. وأفراحنا وعاداتنا. وتقاليدنا…
وما زال الكتاب يكتبون عن أول امرأة جزائرية كتبت رواياتها باللغة العربية وقد أثرت بشكل كبير جداً في الآداب العربية المعاصرة لأن كل كلمة تحمل معها نغمة وكل نغمة هي بداية لنشيد ثورة جماهيرية كبيرة.
ختاماً، كاتبتنا الكبيرة لك التحية والسلام من أرض السلام، من الغابات في مدينة الموصل، من دجلة وجسورها الستة التي تغفو على شواطئها،
من كل متابعيك المتيمين بالأدب العربي، من العراق سلاماً سلاماً سلام…
محبيكِ من الموصل – العراق
مايو 2025