النغمة السائدة الآن في أوساط قادة ساسة العراق الجدد المنخرطين في المشروع السياسي الأمريكي الإيراني .
هي التحذير من خطورة اندلاع حرب أهلية طائفية في العراق . وكان آخر هؤلاء السيد دولة رئيس الوزراء العراقي نوري باشا المالكي .
الذي كان من ابرز المحرضين على الغزو الأمريكي للعراق .
السيد المالكي قال في بيان له معلقاً على مقتل عدد كبير من المواطنين الأبرياء في بغداد الحبيبة في تفجيرات استهدفت عدد من مناطق العاصمة الخالدة قبل ايام ،
أن الإرهابيين والكفرة وإتباع دول الجوار يسعون لنشر روح الانفصال واستغلال الفجوات التي يخلفها أي إرجاء في العملية السياسية .
العراق انزلق فعلاً إلى أتون الحرب الأهلية الطائفية ،
ويسير بخطي متسرعة على طريق الفتنة ، فهناك عمليات تطهير عرقي تجري في وضح النهار،
وتشهد المناطق الشيعية تفريغاً لابناء الطائفة السنية ، والعكس صحيح.
والأخطر من هذا وذاك عمليات النزوح للكفاءات العلمية وأبناء الطبقة الوسطي إلى دول الجوار ومنها إلى أوروبا واستراليا ونيوزلندا وأمريكيا وأي حكومة يمكن ان تمنحهم تأشيرة دخول.
في الماضي كان بعض المرتبطين بمشروع الاحتلال الأمريكي يتحدثون عن وجود أربعة ملايين عراقي في المهجر فروا من ظلم حكم البعث العدد تضاعف الآن ،
فقد بقي معظم هؤلاء في منافيهم رغم اقتراب الذكري العاشرة لاحتلال العراق ،
وأضيف إليهم المهاجرون الجدد ، الفارون من نعيم الديمقراطية الأمريكية وهؤلاء يقدرون بالملايين.
ساسة العراق الجدد المبجلون يتهمون الإرهابيين والتكفيريين وإتباع صدام حسين بنشر روح الانفصال ، ولا يوجه كلمة نقد واحدة إلى الاحتلال الأمريكي والى الاحتلال الإيراني ،
والقوي التي ساندته وسهلت مشروعه الاستعماري في العراق.
فالإرهابيون والتكفيريون لم يضعوا الدستور العراقي الجديد الذي ينص على التقسيم الفيدرالي أي التقسيم السياسي الديني وحسب العائدية الحزبية الدينية الطائفية .
كما أنهم جاءوا إلى العراق بعد الاحتلال وليس قبله ،
وكان من المفترض من ساسة العراق ، يعترفوا بالأخطاء القاتلة التي ارتكبها وشركائهم الذين جاءوا من الخارج محررين ، وأوصلوا العراق إلى هذا الدرك الأسفل من الفوضى ، والإرهاب الدموي، وانعدام الأمن وغياب الاستقرار، والحرب الطائفية.
فالتشخيص الصحيح للمرض وأسبابه، ومكامن علله، هو الذي يقود إلى العلاج الناجع والناجح ، ومن المؤسف أن ساسة العراق الجديد يوجهون أصابع الاتهام إلى الجميع باستثناء أنفسهم ، ويرفضون تحمل أي لوم أو مسؤولية .
ولهذا تستفحل أمراض العراق بصورة باتت تستعصي على أي علاج.
الفيروس الذي أنهك الجسم العراقي ،
وبات يهدد بتحلله، بعد تعفنه ، هو الحكام الجدد ، الذين حولوه إلى حقل تجارب للاستعمار الأمريكي الجديد
وضحوا بالعديد من أبنائهم دون إن ترف لهم عين ، أو يذرفون دمعة واحدة.
الآن يتحدثون عن ضرورة حل أزمة حكومة بغداد مع الشعب العراقي المتظاهر المعتصم المطالب بحقوقه ،
وتأسيس جبهة عريضة تضم القوي الوطنية لتحقيق الأمن والاستقرار في البلاد ،
وإخراجها من المأزق الخطير الذي تعيشه.
مخرج جميل ، ولكن لم يقل لنا الذين يقترحونه كيف تحل تأزم الحكومة ،
ومن ستضم الجبهة الوطنية العريضة التي ستكون نواتها ، ومن يترأس هذه الحكومة.
السفير الأمريكي قال مؤخرا ، أن المخططات الجديدة تسعى لتجنيد المعارضة واستخدامها كغطاء للتمهيد لغزو العراق واحتلاله وتغيير نظامه من جديد ،
مؤكدا أن الطبقة السياسية الحاكمة في العراق حالياً تقدم مصالحها الذاتية على مصالح الوطن. فإذا كان السفير الأمريكي الذي يعرف هؤلاء جيداً قد ضاق ذرعاً بهم ، وبات يتهمهم بالفساد والمحسوبية ،
والطائفية والتعذيب والقتل الجماعي ، فكيف سيثق بهم أبناء الشعب العراقي الذين لم يروا في عهدهم غير انعدام الأمن ، والبطالة وانقطاع الكهرباء والماء ، والقتل على الهوية ، والسطو المسلح واستفحال الجرائم ، وانتشار المخدرات والموبقات بكافة الإشكال والألوان.
الحكومات الوطنية تتشكل عادة بعد انتهاء الاحتلال ، واستعادة السيادة ، وإحلال الأمن ، واستجابة لرغبات المواطنين ، وتتويجاً لمقاومتهم، فهل مثل هذه المواصفات الأساسية والضرورية تنطبق على أي حكومة جديدة تتشكل في العراق في ظل الاحتلال .. ؟
وهل يصلح هؤلاء الذين تآمروا على وحدة العراق وهويته العربية والإسلامية ، ووحدته الوطنية ، لكي يكونوا أعضاء في هذه الحكومة .. ؟
العراق الجديد بعد عام 2003 حاكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ، وأركان نظامه ، بتهمة إعدام 148 مواطناً تآمروا لاغتياله في منطقة الدجيل ،
وهذا أمر لا غبار عليه ، ولكن من سيحاكم من أقاموا غرف التعذيب في أقبية وزارة الداخلية والسجون السرية في جميع مناطق العراق حتى السنية منها ،
وشكلوا فرق الموت ضد علماء العراق ، وقادوا البلاد إلى هاوية الحرب الطائفية .. ؟
الوحدة الوطنية المطلوبة في العراق هي تلك التي تقوم على مواجهة الاحتلال والمجموعة السياسية التي تشكل رأس حربة لكل مشاريعه في تفتيت العراق ،
وتمزيق هويته الوطنية ، وإغراقه في حرب طائفية مدمرة.
المشروع السياسي الأمريكي في العراق واجه المصير نفسه الذي واجهه مشروع الاحتلال العسكري ،
أي الفشل الذريع ، وهذا الفشل ناجم عن سوء تقدير وطنية الشعب العراقي ، ورفضه للاحتلال ، واستعداده لمقاومته .
المعادلة الآن تتغير على ارض العراق بسرعة مخيفة ، منذ ظهور بوادر المواجهة الأمريكية ـ الإيرانية بسبب البرنامج النووي الإيراني . فعندما تتغير المعادلات تتغير التحالفات أيضا.
أنها لعبة أمريكية كبري أدواتها لاعبون عراقيون صغار.