18 ديسمبر، 2024 9:53 م

رسالة سمير قصير وجائزته

رسالة سمير قصير وجائزته

يُخيّل للبعض أنّ دور الصحافة، والإعلام عموماً، يتراجع … هذا الظنّ ناجم عن واقع أنّ منسوب الحريات العامة ينخفض ومساحتها تنكمش في بلدان الشرق الأوسط وسائر الدول العربية وسواها. حتى في البلدان المتقدمة في الغرب والشرق ثمة مظاهر للضيق بحرية التعبير، والولايات المتحدة في عهد الرئيس ترمب أنموذجاً ليس وحيداً.
لم يزل الصحفيون يُنظر إليهم في بلداننا بوصفهم الأعداء من الدرجة الأولى … تتوحد في هذا الموقف الأجهزة الحكومية وسائر مؤسسات الدولة والمؤسسات السياسية ( الأحزاب ) والدينية والجماعات العاملة خارج القانون( الميليشيات) والفئات المحافظة في المجتمع.
وظيفة الصحفي الأساسية نقل المعلومات .. ليس ذنبه أن هذه المعلومات تزعج أو تصدم البعض ممّن لا يريدون للناس أن يعرفوا الحقيقة لتعارضها مع المصالح الأنانية الخاصة بهذا البعض، وهي مصالح متحققة في الغالب على حساب مصالح سائر الناس وحقوقهم.
للتوّ خضت تجربة مهنية مهمة. مؤسسة سمير قصير ( لبنان) شرّفتني بأن أكون عضواً في اللجنة التحكيمية الخاصة بجائزة سمير قصير لحرية الصحافة التي تحمل اسم الصحفي والأكاديمي العربي (الفلسطيني الأب، السوري الأم، اللبناني الحياة) الذي اغتيل في العام 2005 بتفجير سيارته في بيروت فقط لأنه كان يعبّر عن أفكاره بحرية، وهي أفكار كانت تتطابق تماماً مع مصالح الشعب اللبناني، لكنها لم تكن كذلك مع مصالح قوى لبنانية محلية وقوى إقليمية كانت مطلقة اليد في لبنان.
ما كان مصدر الفخر أن المؤسسة كانت شديدة البأس في لزوم القواعد المهنية لمنح الجائزة الى مستحقيها من دون أي اعتبار آخر خارجاً عن هذه القواعد، وهذا ما يعزّز الثقة بأن الخير لم يزل قائماً في منطقتنا وعالمنا العربي المتخم بالشرور.
وما كان مصدر فخر أيضاً، أن الاعمال المشاركة، وعددها 193 لصحفيين وإعلاميين من 12 دولة، كانت في غالبيتها بمستوى مهني جيد جداً.. والأهم أنها عكست واقع أن الشرق الأوسط والعالم العربي مازالا عامرين بصحفيين شجعان لا يتوانون عن اختراق حدود المحرّم ، سياسياً واجتماعياً، لينقلوا المعلومات كما هي في الواقع لا كما تريد لها ان تبدو المؤسسات الحكومية والمنظمات السياسية الاخرى (الأحزاب) والميليشيات والمؤسسات الدينية والفئات الاجتماعية المحافظة المتخلفة.
في 193 عملاً صحفياً وإعلامياً كانت هناك 193 قضية سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية مهمة سلّطت الاعمال المشاركة أضواء كاشفة عليها للتنبيه الى خطورة ما تعاني منها مجتمعاتنا ومؤسساتنا بمختلف حقولها.
كُلَّ هذا الكم الهائل من الاعمال الإبداعية أنجز في ظروف انخفاض منسوب الحريات العامة وانكماش مساحتها.. ماذا لو كانت هذه الحريات عندنا أعلى منسوباً وأوسع مساحة؟.. بالتأكيد كنّا سنكون في حال أفضل وحياة أهنأ… هذه هي الرسالة التي أطلقتها مسابقة جائزة سمير قصير، وهي الرسالة ذاتها التي كرّس سمير قصير حياته لها، فكان جزاؤه أن تُخطف حياته مثلما تُختطف حيواتنا ومستقبلنا الآن بغير ما شكل وصورة وأسلوب.