يوم ٤ أبريل نشر موقع ”بيدر ميديا ” رسالة خاصة موجهة من الرفيق صباح كنجي ورفاقه في التوجه والموقف والاتجاه والتغير والتمني الى قيادة الحزب الشيوعي العراقي ومندوبيي في المؤتمرات القادمة بأتجاه إجراء إصلاحات وتحولات جريئة وثورية تعيد بناء قوام عود الحزب ودوره تجاه المتغيرات الداخلية والاقليمية والدولية ، ومما حفزني في الانتباه الى معاني وتفاصيل تلك الرسالة أولاً ” للتعبير عن جزء كبير من رؤيتي وتطلعاتي نحو مستقبل غد لتاريخ الحركة الشيوعية العراقية ، ولانها جاءت تلك الرسالة من مناضل عتيد وذو مواقف واضحة وصريحة ومنسجمه مع تطلعاته وأفكاره ، وبحكم تجربتي الشخصية معه ، عندما تولى عملية تسللي من الجبل الى بغداد لمرتين متتالتين في العام ١٩٨٦ ، كان شديد اليقظة والحرص والمسؤولية ، وكنجي عندما يكتب يقصد ماذا يعني بين أوساط كبيرة من الشيوعيين . يقف مع الجميع على إمتداد مسافات واحده بين من يعمل داخل التنظيم وبين من رمته ظروفه ومواقفه خارج التنظيم بحب وصدق . وأنا هنا لم أناقش مضامين رسالة صباح كنجي ورفاقه ، وأنما أقدم قراءة أخرى على ضوء تلك الرسالة .
حملت رسالتهم في بداية مشوارها أن يحدوهم الأمل أن تلقى مضامين دعوتهم الاهتمام في التفاعل والقراءة المتأنية من قيادة الحزب الشيوعي العراقي في رؤية مستقبلية لمتغيرات البلد والتفاعل معها على شتى الاصعدة التي تتعلق بمستقبل الشيوعيين العراقيين والعراق . أن مبادرة اصلاح الحزب الشيوعي العراقي من الداخل ليست بالآمر الهين ولم تعد ممكنا على المدى القريب فجميع الاعضاء في جهاز الحزب يتماهى مع النهج الاصلاحي ومع سياسات قادة الحزب الفاشلة . مر بلدنا العراق بفواجع هزت كيانه ووجوده ووحدته ومصيره ، وتوجت باحتلاله وتدميره عبر عملية سياسية طائفية ، وكنا نحن الشيوعيين الوطنيين نمني على أنفسنا وعلا صراخنا بصوت مدوي ومسموع أن لا يتورط الحزب الشيوعي بنتائج الغزو والاحتلال ، وأن يبقى بعيداً ومتمسكاً بتاريخه المشرف في النضال والتضحيات في ساحات النضال ووغى المعارك الوطنية في مسيرته المجيدة .
نداء الى مندوبيي المؤتمر الحادي عشر أن وقع ضمن المواعيد المطروحة بعد أن تأخر عام على موعده الرسمي أن يعلنوا من أروقة فضاءات مؤتمرهم بادانة الاحتلال جملة وتفصيلاً ونسف عمليته السياسية ونقد ذاتي لسلسة التحالفات الفاشلة والتي هي بالضد من ارادة شعبنا ونقد ذاتي للمشاركة فيها والاعتذار من الجماهير في موقف واضح ومسؤول ووطني .
تحديد موقفه السياسي والوطني من الاسلام السياسي ورموزه باعتباره المسؤول المباشر عن تردي الاوضاع وضياع الوطن وقطع كل أمدادات التعاون معه وتحميله سوء أدارته لامور البلد .
طرح مشروع سياسي ووطني بعيداً عن أجندات القوى الاخرى يتناسب مع ثقل الحزب النضالي والتاريخي وقوافل الشهداء .
أن يعلن لجماهيره وناسه ومحبيه نتائج مراجعته السياسية والوطنية من عملية إحتلال العراق وندمه على تلك المواقف بالاعتذار من جماهيره .. بخطاب سياسي جديد يعيد به هيبته وسجله الوطني ومواقف شهدائه .
أن يرفض الدستور باعتباره مخاض عملية ولادة عسيرة ومشوهة ويتبنى الحزب ميدانياً مسؤولية وضع دستور جديد للبلد يتلائم مع تاريخىه العريق وتنوعه العرقي والمذهبي وعزل الدين عن أمور السياسة من خلال بنود واضحة وصريحة .
أن يعبىء الجماهير والناس الفقراء والمتضررين من العملية السياسية الطائفية بقراءة سياسية واقعية للتطورات ومجريات الاحداث .
أن يخرج المؤتمر الحادي عشر بقيادة شابة واعية ومسؤولة وذات فكر ونضال وتاريخ ومستقبل .. وان تكون تلك القيادة الجديدة على معرفة ودراية بمتطلبات العصر وتطوراته العلمية . وأن يعلن عبر كرنفال وطني في أحدى ساحات بغداد وعلى سطوح بيوت الصفيح سياسته الجديدة ضمن مضامين تراثه الوطني .. ويدعوا قادة الحزب ومناضليه التاريخيين ممن مازالوا احياء أن يكونوا مراجع نضالية لسياسة الحزب الجديدة بعد الاعتذار عن مامسهم من حيف وأساءة .
وتجاربنا كافية باستخلاص النتائج ومعرفة الاسباب التي أدت الى تشرذمنا ، والذي فتح مجالا واسعا لاحزاب الاسلام السياسي البائسة بتصدر مشاريع العراق نحو الهاوية والمأزق ، نحن الأجدر تاريخيا ووطنيا في بناء بلدنا والانتقال به الى شواطيء الامان .
تلقت سياسة الحزب في السنوات الاخيرة ردود أفعال متضاربة ومتناقضة ، هناك من أشاد بها وتمنى لو بات أمراً واقعاً بتجسيده بخطوات فعلية وواقعية وهناك ثمة من شكك بها جملة وتفصيلاً وأعتبرها كسابقاته مجرد كلام ولتهدئة لغة السجال والهروب من الانتقادات وحصر مساحات النقمة والغضب على سياسة تلك السنوات .
في تقدير سابق لأوانه في تقيمه وحصد نتائجه لننتظر برهة أخرى من الزمن ، لانه الذين يتربعون على عرش هذا الارث النضالي باتوا يدركون حجم المخاطر التي تحيط بكيان الحزب فلابد من سياج كونكريتي حوله مسلح بمناضليه وجماهيره ومحبيه ، وأن من لم يدرك حجم هذا الخطر في تداعي أوضاع العراق الحالية من شيوع الميلشيات والارهاب والاسلام المتخلف سنكون عرضة في المؤتمر القادم أن عقد أوسع تشظياً وأكثر بؤساً ولا ينفع الندم ولا يدمل النقد جرحاً غائراً .
الحزب الشيوعي العراقي عمره ناهز ٨٧ عاماً على أيدي رجال مخلصين ومناضلين حلموا كما غيرهم بأقامة مجتمع عادل ونموذجي تسوده العدالة الاجتماعية والمساواة والديمقراطية والاشتراكية . فعلى الشيوعيين اليوم وأمتداداً لذلك التاريخ العتيق أن يقدموا أنفسهم كقوة سياسية وفكرية وأخلاقية في مواجهة الارهاب والتطرف الديني والمحاصصة من خلال البحث في كيفية الخروج من الازمة بطرح مشاريع سياسية ووطنية عابرة للطوائف والتخلف ، وهذا لم يتم الا من خلال الوصول الى وحدة سياسية تنظيمية حسب مباديء لينين التنظيمية . حيث بلغ اليوم التدخل الامريكي في العراق ذروته المتفاقمة في تهديم بنية مجتمع بالكامل من خلال عمليته السياسية الطائفية برموزها المهترئه تحت غطاء عباءة الاسلام السياسي فعلى الشيوعيين أن يتصدروا لهذا المشروع التدميري من خلال تعبئة الجماهير ضد هذا المشروع على أسس وطنية .
فشعار التغير ، الذي سيطرحه المؤتمر القادم فلابد أن يقترن بخطوات عملية وسريعة على مستوى السياسة والتنظيم والموقف من التحالفات التي كانت تجري علناً وسراً وحجم كيد الدسائس والمؤامرات للاطاحة بالعراق بجريرة دكتاتور أرعن قاد العراق الى المهالك المذلة ، ولخلاص الناس من شره يتم عبر تدمير البلد كذبة أنطلت على سياسينا وعلى من أرتبط بأجندة خارجية بالضد من أرادة شعبنا وحجم تضحياته ذهبت تلك الارهاصات بالعراقي المعتد بنفسه ويتباهى بانتمائه وتراثه الى النقمة والغضب راح الناس والمجتمع الدولي وباحثي علم النفس يضعون منزلته في الدرك الاسفل .. وبات محاطا بعدة أسئلة أينما حط رحاله بنوايا أدعاءته وقدومه وأنجازاته .
لابد من أعادة الاعتبار لهذا المخلوق وتأهيله نفسيا وسايكلوجيا وأجتماعيا وسياسيا . أذن نحن بحاجة الى مشروع وخطة تنمية ووعي للنهوض بهذه المهمة ، واليسار كفيل أن ينهض بهذه المهمة .
يقول الفيلسوف الالماني هيغل (( الشعب الذي يصدق الاكاذيب .. يستحق أن تنتزع منه حريته )) .
نتطلع الى محطات وقراءات وقائع المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي العراقي وتمنياتنا أن يخرج بانطباعات جديدة ينفض عنها غبار الماضي ويحلق في فضاءات جديدة تواكب سمة العصر وتطوراته ، وأن يصغي للغة العقل وحسن الخطاب في لملمة الاطراف المبعثرة نتاج سياسة خاطئة سابقة ، وقرارات مجحفة أقصاء وتهميش وتشهير ، وان يراجعوا مواقفهم الوطنية من اليوم الأول من الحصار على شعبنا الى الغزو والموقف من الاحتلال والعملية الطائفية السياسية التي تمخضت عنه ، وأعلان موقفا واضحاً من الاسلام السياسي وتجهيل المجتمع بولاية الفقيه .