فيما يتشكل التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، ويلتئم قادة الدول في باريس لإتخاذ موقف موحد ضده، يبقى الإرهاب أوسع وأشمل من هذا التنظيم، في ظل وجود بؤر عديدة تحتضن وتمارس الإرهاب أيضاً تحت عناوين ومسميات تبيح لها القتل وإرتكاب المجازر البشرية، من أجل تنفيذ مشاريعها التوسعية في منطقتنا عموما، لذلك كنا نتمنى لو أن هذا المؤتمر يعطي فهماً عاماً للإرهاب، بدلاً من حصره بتنظيم إرهابي واحد، وبالتالي إعلان الحرب الشاملة على الإرهابيين الذين يهددون المكونات البشرية على أساس البعد الطائفي، أو العرقي، أو الديني، ولاتستثنى الأنظمة التي تقصف بالصواريخ والمدفعية والبراميل المتفجرة شعوبها من هذه الحملة.
بالتأكيد، أن هناك تأييد على مستوى الرأي العام لإجتثاث تنظيم داعش الذي يتخذ من الإسلام ذريعة، للقتل، وهو بهذا يسعى لتشويه صورة الدين الحنيف الذي يؤكد على قيّم التسامح والتراحم والدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والإمتناع عن الغلظة التي تنفر الناس منه، لذا كان هذا التنظيم مدعاة للشك من حقيقة توجهه وإرتباطاته، بقصد ضرب الإسلام، لكن لايقف الإرهاب عند هذا التنظيم، إذ هناك تنظيمات مسلحة أخرى، تتلفح بعباءات رجال الدين وعمائمهم، لاتقل خطورة عن “داعش”، غير أن إزدواجية الرؤى، ربما، كانت سبباً لإبعادهم عن قوائم الإرهاب، إن لم تكن هناك أهداف مشتركة، تدعو الى غض الطرف عنها، بحسب رأي المتأثرين بنظرية المؤامرة.
وبرغم التبجح بأن الإعلام حر، ولايخضع لسلطة من السلطات، كونه سلطة وحده، الا أن واقع الحال يشير الى خلاف ذلك، مع بعض الإستنثناءات طبعاً، بل الأنكى منه، عندما، يتحول ذلك الإعلام الى أداة للترويج لبعض هذه التنظيمات، وتبيض ساحتها الحمراء من دماء الضحايا.
ومن هنا تبدو الدعوة ملحة لقادة مؤتمر باريس لإتخاذ قرار يتجاوز إرهاب داعش، ليشمل الواجهات الأخرى له، سواء أكانت ميليشيات أم حكومات، إضافة الى ضرورة التمييز بين الحراك الشعبي الذي يطالب بحقوقه المشروعة، وبين الإرهاب كأداة للقتل والتهجير وترويع الآمنين.
وفي هذا الصدد، لابد من التأكيد أن الإرهاب واحد، وإن تعددت وجوهه، وفيما لايمكن تحديد هويته في مكون واحد، فإنه ليس منطقياً تبريره تحت أي غطاء، ولا أن يمنح حصانة حكومية.
ولعل هذا ما أدركته صحيفة الغارديان البريطانية عندما اكدت أن جرائم الميليشيات لا تقل خطورة وسوءا عن افعال تنظيم داعش، حيث أنها تقوم بتطهير عرقي، وتشن هجمات على الأحياء السكنية الآمنة وتخطف أبناءها، وتهجر النساء والأطفال، وكل هذه الأعمال إرهابية بلا شك.
ونقلت عن قادة إحدى الميليشيات قوله : ان المقاتلين يحضون بالدعم من خلال مكاتب التعبئة التابعة للحكومة، حيث ان كل 20 فردا بامكانهم ان يشكلوا كتيبة او لواء لكي يحضون بذلك الدعم ، مشدداً على انه لم يعد بالامكان الاعتماد على قوات الجيش، مايعني أن هذه الميليشيات أصبحت هي المتنفذة على الأرض، وبالتالي لايحكمها قانون أو دولة قانون.
وقد أفصح عن هذا المعنى قائد إحدى الميليشيات المتنفذة، في تصريح لصحيفة أمريكية، قائلاً : “إن حالنا حال اي جيش، فهناك فرق ضمن قواتنا وكل فرقة لها اختصاصاتها”، موضحا أن عناصر ميليشياته “يرتدون زي الجيش، مما يجعل عناصر الميليشيات والجيش النظامي لا يمكن تمييزهم من المدنيين، لكن عملياتهم تختلف”.
وهذا الإختلاف في العمليات يوضحه قائد آخر لميليشيات أخرى متنفذة أيضاً، حيث يقول أن : “الجيش لديه تكتيكات تقليدية قديمة على الارض فهم لا يطلقون النار حتى تأتيهم الاوامر”، مشيرا الى أن “تكتيكات تنظيم داعش والتي من ضمنها استخدام السيارات المفخخة والقناصين ملائمة أكثر لحرب المدن ونحن نستخدم ستراتيجيات القتال نفسها التي يستخدمها داعش ولهذا السبب حققنا النجاح”، ومن خلال هذا التصريح أصبح من الضروري أن يدقق أسر الضحايا عن الجهة التي إستهدفت أبناءهم بالسيارات المفخخة، إن كانت داعشية أم ميليشياوية؟.
وإزاء الدور الذي تؤديه الميليشيات، يرى المحلل في معهد واشنطن، مايكل نايتس،أن الميليشيات لعبت دورا واضحا في صفوف القوات الأمنية، مبيناً أنها أضافت بعداً طائفياً للأمن، لكن في إطار القوات الأمنية التي تثير قلقا أكبر من الميليشيا التي تعمل بشكل صريح وغير قانوني.
ومما تقدم، أصبح من الضروري على مؤتمر باريس أن يضع خطة متكاملة لمواجهة الإرهاب، من دون تجزئة، أو إجراء عملية مفاضلة، إذا ماكان الأمن والإستقرار هدفه لمنطقتنا.