25 مايو، 2024 8:42 م
Search
Close this search box.

رسالة الشهيد التربوية

Facebook
Twitter
LinkedIn

قبل الخوض في بيان دور الشهيد التربوي على الفرد والمجتمع لابد للحديث من مقدمة تكتمل من خلالها الصورة…..
إن الإسلام أهتم اهتماما كبيرا في بناء الإنسان فرديا واجتماعيا وهذا يعني أن هناك نوعان من التربية تربية فردية وتربية اجتماعية….
والتربية سواء كانت فردية أو اجتماعية فأنها تنقسم إلى نوعين من التربية هما التربية التثقيفية والتربية الوجدانية…
والمراد من التربية التثقيفية هي نشر العلم والمعرفة والثقافة ومحاربة الجهل ابتداءاً من محو الأُمية الأبجدية ووصولاً إلى محو الأُمية الحضارية….
وقد حث الإسلام على طلب العلم ((طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة))
و((أطلب العلم من المهد إلى اللحد)) و((أطلب العلم ولو في الصين))…الخ
وهذا النوع من التربية مهمٌ وضروري ولا يمكن للإنسانية الاستغناء عنه بل أنها وصلت بهذا النوع من التربية إلى درجات عالية من العلم والمعرفة وتطورت من خلالها الخبرة البشرية في الطبيعة والكون مما أدى إلى سيطرة الإنسان على الطبيعة بعد أن كان في الماضي البعيد خائفا من ابسط ظواهرها إلى درجة التأليه والعبادة!!!! وهذا يمثل جانب علاقة الإنسان بالطبيعة…
وبالرغم من هذا التكامل النسبي في العلم والمعرفة إلا أنه لازال تحت رحمة أهواء الإنسان ورغباته وما تقتضيه أنانيته وتحقيق مصالحه الشخصية على حساب كل شئ ولذلك قالوا أن السياسة لا قلب لها…فالعلم المتطور أصبح خاضعا لسياسة الإنسان الظالمة التي جعلت من العلم سوط عذاب مسلط على البشرية وهنا شهدت علاقة الإنسان بأخيه الإنسان تراجعا وتدهورا وتخلفا والذنب ليس ذنب العلم بل هو ذنب الإنسان الذي أصبح عبدا ذليلا لشهوته وغضبه وطمعه وسياسته الظالمة….
إن باطن الإنسان له دور في تسخير العلم نحو الخير والشر فنحن نلاحظ ذلك من خلال نوعين من معطيات العلم:
النوع الأول الجانب الإنساني السلمي المتمثل بالتقنيات الحديثة في مختلف المجالات الطبية والزراعية والاتصالات والشوارع والجسور والطرق ووسائل النقل والكهرباء وغيرها كثير من الوسائل التي ساهمت في تذليل العقبات أمام الإنسان…
والنوع الثاني الجانب الوحشي العدواني من خلال الأسلحة الفتاكة والسموم القاتلة ووسائل التعذيب ….الخ
وحيث أن العلم خاضع لإرادة الإنسان فإن إرادة الإنسان بأمس الحاجة إلى النوع الآخر من التربية أعني التربية الوجدانية وهي تربية الفرد والمجتمع على أساس العدل والعدالة والاهتمام بالمصالح العامة وتجاوز الذات عن طريق التحلي بالموضوعية..
أن هذه التربية وظيفتها هو خلق التوازن في داخل الإنسان من خلال سيطرة العقل على الغضب والشهوة والنفس الأمارة بالسوء…إن الإنسان يجد صعوبة في هذه التربية أكبر بكثير من التربية التثقيفية وذلك لأن هذه التربية تقتضي أن يخالف الإنسان ميله نحو الدعة والراحة وحب الذات المركوز في باطن نفسه ومخالفة شهواته ورغباته ولذلك نجد أن الكثير يفشل في ذلك…وعلى هذا الأساس قال الشهيد محمد الصدر(قدس) في الموسوعة المهدوية مفسراً سبب طول غيبة الإمام المهدي(ع) وذلك بسبب طبيعة التربية الوجدانية بخلاف التربية التثقيفية لأن المجتمع ينبغي أن يصل إلى نوعين من التكامل تكامل معرفي ثقافي وتكامل روحي وجداني ويرى الشهيد محمد الصدر (قدس) أن وصول البشرية إلى التكامل المعرفي الثقافي أسرع بكثير من التكامل الروحي الوجداني الذي يقتضي طول مدة الغيبة حتى يحصل التكامل الوجداني من خلال مرور الفرد والمجتمع بصعوبات كبيرة …
أن التربية الوجدانية تمثل أحد أهم أنواع الجهاد في الإسلام وهو جهاد النفس الذي هو الجهاد الأكبر كما جاء في الخبر الصحيح عن الرسول الأعظم(ص)
إن الإسلام من خلال العقيدة والشريعة ضمن كل أسباب النجاح والتكامل للفرد والمجتمع والدولة بشرط الإيمان والعمل الصالح وجهاد النفس….
وبعد هذه المقدمة لابد لي من التعرض إلى دور الشهيد في تربية الفرد والمجتمع..
إن الشهيد من خلال تضحيته العظيمة بأغلى ما يملك فهو يقدم للفرد والمجتمع المثال العملي العظيم في الإيثار والترفع عن الأنانية والتشبث بالمصالح الدنيوية الضيقة…الخ
إن دم الشهيد وتضحياته تساهم في:
1- إيقاظ الضمير عند الفرد والمجتمع.
2- الحفاظ على وجود الأمة والمجتمع ومعنى الوجود هو عدم استسلام وخضوع المجتمع للطاغوت…وكما قال الشهيد محمد باقر الصدر(قدس) أن الجماهير دائما أقوى من الطغاة.
3- هداية الفرد والمجتمع.
4- التقليل من صعوبة التربية الوجدانية من خلال تضحية الشهيد بنفسه.
5- وعي الفرد والمجتمع لأن الطاغوت دائما يحاول التضليل من خلال إعلامه الظالم ولكن دم الشهيد يفضح الأكاذيب.
6-جعل العاطفة تتجه نحو قيم العدل والحق والفضيلة.
7-إسقاط عروش الظالمين الطغاة…فدم الشهيد يقصم ظهر الظالم.
8-إشعال فتيل الثورة ضد الظالم المستبد.
ولا ينبغي لي أن أنسى ما ورد عن الإمام الحسين(ع) حيث قال ما مضمونه أن من التحق بنا فقد أستشهد ومن تخلف لم يدرك الفتح…
فالشهادة سبب لأدراك الفتح …
وقبل الختام أود التعرض إلى الفرق بين الشهادة والانتحار…
فالانتحار يمثل نوع من أنواع التسافل والانحدار وقد حرمت الشريعة الإسلامية المقدسة الانتحار ووعدت المنتحر بالخلود في نار جهنم..
ونحن في هذه الأيام نشهد ظاهرة الانتحار كوسيلة للقتل الجماعي للأبرياء…
أما الشهادة فقد حث الإسلام عليها وضمن للشهيد الدرجات العليا في الجنة بل أن القران الكريم عبّر عن الذي يُقتل في سبيل الله بأنه حي عند ربه يرزق….
ولم يحصر الإسلام مفهوم الشهادة في ساحة الجهاد والقتال في سبيل الله بل توسع في ذلك فالشهادة لها أسباب متعددة منها كلمة حق عند سلطان جائر فضلا عن أن هناك الكثير من الموارد التي يُعطى الفرد بها أجر الشهيد….
وقد ذكر الشهيد محمد الصدر(قدس) في الجمعة الحادية عشر قاعدة عامة من خلالها يتحدد معنى الشهادة حيث قال ما مضمونه(( أن كل من يقتل وعقيدته صالحة فهو شهيد بينه وبين الله))….
وقد أتضح الفرق الشاسع بين الانتحار والشهادة فضلا عما تمت الإشارة إليه من الدور التربوي للشهيد في بناء الإنسان الصالح والمجتمع العادل.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب