23 ديسمبر، 2024 9:27 ص

رسالة الإصلاح بين الإمام الحسين والسيستاني

رسالة الإصلاح بين الإمام الحسين والسيستاني

كانت رسالة الإمام الحسين؛ موجهه للأمة قبل أن تكون إلى يزيد, لأنه لم يتسلط لولا رضا المجتمع بأفعاله, لذا فأن الانتصار الأولي كان عسكرياً, بسبب التخاذل والانصياع للباطل, والخضوع لأساليب أبن زياد؛ وأهمها شراء الضمائر, وهذا ما واجهه السيد السيستاني.
لاشك إن مبادئ الإصلاح واحدة في مختلف الأيديولوجيات, فالكل تريد إصلاح الأوضاع العامة, وتغيير أحوال الناس, والنهوض بالبلاد والعباد, ومعالجة هيمنة أصحاب النفوذ والسلطة والحكم, فاستخدام أسلوب تجويع الشعوب وإذلالها, ما تجعلها تبحث عن مصادر عيش, والقبول بأدنى, يعد من الممارسات المستخدمة قديماً وحديثاً, وبالمقابل تجد هناك صرف للأموال في الملذات من قبل المترئسين والتابعين لهم, ما يعكس حالة سلبية.
كما يستخدم الحكام أسلوب القمع للمعارضين والمنافسين؛ فتارة بالقمع الاضطهادي والإجباري؛ كالقتل والتهجير والتغييب, وتارة بالقمع السياسي والإعلامي؛ كالاستهداف والإقصاء وقلب الحقائق, وغسل الأدمغة بوسائل الإعلام, والابتعاد عن بناء مؤسسات الدولة, وتشجيع الممارسات المتخلفة, كتمكين النظام القبلي, والولاء الحزبي من خلال نشر الانحراف الفكري, وفسح المجال لانتشار الفساد الاجتماعي, وتفشي الرشا, وتجهيل المجتمع بالأمية, وتضعيف حالة الوعي, وضرب السلم المجتمعي.
فضلاً عن إبعاد تفكير الناس بأمور المصالح العليا للأمة, ما يجعل الفرد يفقد الشعور بالروح الانتماء للوطن والعقيدة, ويصب اهتمامه على الأمور الخاصة فقط, وهذا بحد ذاته غاية المتسلطين لنهب الثروات الوطنية, والمغامرين بمصائر الناس, وإدخال البلاد بالأزمات, لذا لا تجد اهتمام بأرواح الناس, وحفظ ممتلكاتهم, ما جعل المجتمع يحبط ويصاب باليأس, وكأنما خاضع لقوانين الغاب, وحكم القوي على الضعيف.
عندها بدأ الإمام الحسين بالتخطيط لإصلاح ما افسد بالأمة, بعدما خالف يزيد اتفاق الإمام الحسن ومعاوية, ونصب نفسه خليفة, كونه لا يرتقي لهذا المقام, أعلن الإمام الحسين أهدافه “إني لَمْ أَخْرُجْ أَشِرًا وَلا بَطَرًا, وَلا مُفْسِدًا وَلا ظالِمًا، وَإِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاحِ في أُمَّةِ جَدّي, أُريدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهى عَنِ الْمُنْكَرِ, وَأَسيرَ بِسيرَةِ جَدّي وَأَبي عَلِيّ بْنِ أَبي طالِب”.
ووفقاً لذلك؛ فأن تحركه كان من اجل الإصلاح, والذي يعتمد التغيير التدريجي؛ أي الأسلوب السلمي وليس بالعنف, لان الثورة؛ تعني التغيير الشامل في نظام الدولة, وكيان المجتمع وسياسته, وهذا ما لم يستطع عليه, إذ وجد إن أساليب الطواغيت قد نفذت في المجتمع, واصطف أهل الحل والعقد مع الحاكم, فلم يجد حل سوى التحرك الإعلامي الناجح, لردع انزلاق المجتمع نحو الهاوية.
الأمر الذي نلتمسه في توجيهات السيد السيستاني الإصلاحية؛ إذ دعا “إن توضع خطة مدروسة وعملية للإصلاح الحقيقي, وأهمها؛ ملاحقة ومحاسبة المسئولين عما جرى خلال السنوات الماضية من ضياع مئات المليارات في مشاريع وهمية ومقاولات وفساد، وإن الإصلاح يبدأ بملاحقة ومحاسبة من افسدوا, وضيعوا أموال الشعب العراقي, أو استحوذوا عليها, واسترجاع الأموال منهم, ويعاقبوا على جرائمهم بما يناسبها, وإلا سيستمر الفساد”.
وبناءاً على ذلك؛ نجد إن الظروف السياسية والاجتماعية, التي مرت فيها الأمة في زمن الإمام الحسين, نفسها التي تمر فيها الأمة بزمن السيد السيستاني, وعليه بادر المرجع الأعلى؛ لإعلان الإصلاح في الدولة العراقية, لإنقاذ البلاد والعباد, حيث أن الرؤى والأهداف متطابقة في رسالتي الإصلاح مع تشابه نفس أسباب وتداعيات الانحراف.