رسالة إلى المجتمع الدولي: إقليم كوردستان يتعرض لابتزاز سياسي واقتصادي

رسالة إلى المجتمع الدولي: إقليم كوردستان يتعرض لابتزاز سياسي واقتصادي

لم يكن قطع أو تأخير رواتب موظفي إقليم كوردستان يومًا مجرد خلل إداري أو أزمة مالية عابرة كما يُراد تصويرها، بل هو سياسة مدروسة ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية خطيرة. فالموظف الكردي الذي ينتظر راتبه آخر كل شهر، وجد نفسه في قلب صراع أكبر من وظيفته ومعيشته، صراع يستهدف مستقبل الإقليم بأسره.

أول أهداف هذه السياسة هو الاستيلاء على الأموال المخصصة للرواتب عبر تحويلها إلى قنوات أخرى بذريعة العجز أو إعادة التوزيع، ما يعني عمليًا حرمان الموظف من حقه الطبيعي وسرقة قوت أسرته. الهدف الثاني، الأكثر خطورة، هو دفع الموظف إلى حالة من الإحباط واليأس بحيث يفقد الحافز لأداء عمله، أو يضطر ضعاف النفوس إلى البحث عن الرشوة والاختلاس كبديل قسري للبقاء.

أما الهدف الثالث فيتمثل في محاولة شلّ عجلة التنمية داخل الإقليم، عبر خلق بيئة خانقة تستنزف الطاقات وتُوقف المشاريع. إن تعطيل الرواتب لا يضرب جيوب الموظفين وحدهم، بل يضرب الأسواق المحلية، ويُعطّل الاستثمار، ويُفاقم البطالة.

وإذا عدنا إلى الجانب القانوني، نجد أن الدستور العراقي لم ينص في أي مادة على أن رواتب موظفي إقليم كوردستان يجب أن تُدار أو تُصرف من بغداد، بل أكد على أن للإقليم موازنته الخاصة التي تُقرّ ضمن الموازنة العامة للدولة. المادة 121 من الدستور تنص بوضوح على أن: «تُخصَّص للأقاليم والمحافظات حصّة عادلة من الإيرادات المحصلة اتحاديًا، تكفي للقيام بواجباتها ومسؤولياتها، مع مراعاة مواردها واحتياجاتها وسكانها». ومع ذلك، ومنذ عام 2014، تم قطع حصة الإقليم بقرارات سياسية لا تستند إلى أي أساس دستوري، وهو ما جعل موظفي كوردستان رهائن لابتزاز مالي متواصل.

في قانون الموازنة الاتحادية للأعوام 2023–2025، حُددت نسبة حصة إقليم كوردستان بـ 12.67% من الموازنة العامة، أي ما يعادل مليارات الدولارات سنويًا، إلا أن التنفيذ ظل انتقائيًا، إذ لم تُحوِّل وزارة المالية الاتحادية كامل المبالغ المخصصة للرواتب في الإقليم. هذا الخلل بين النص القانوني والتطبيق العملي يكشف أن المشكلة ليست مالية بحتة، بل سياسية بامتياز.

ولعل أخطر ما في الأمر أن هذه السياسة تهدف إلى تصدير الفساد الذي طبع تجربة بغداد لسنوات طويلة، وجعلها عنوانًا سيئًا أمام العالم، إلى إقليم كوردستان الذي ظلّ محافظًا – إلى حد بعيد – على خصوصيته الإدارية والتنموية. فبغداد تريد أن تزرع ذات المنظومة الموبوءة داخل مؤسسات الإقليم، لتفقده ما تبقى من تمايز ونجاح.

إنها ليست مجرد أزمة رواتب تُحلّ بتخصيصات مالية أو وعود مؤقتة، بل هي أداة سياسية واقتصادية لإضعاف كوردستان، وتجويع شعبها، وفرض وصاية مرفوضة على إرادته. والموظف الذي يقف في طابور البنك بانتظار راتبه، إنما يقف في خط الدفاع الأول عن كرامة الإقليم وحقه في تقرير مصيره الاقتصادي بعيدًا عن الابتزاز والمساومة. وهو حق مكفول بالدستور نفسه الذي اعترف في المادة 117 بوجود إقليم كوردستان ككيان اتحادي شرعي، وأقرّ في المادة 121 حقه الكامل في إدارة شؤونه المالية والإدارية.

وهنا نوجّه رسالة إلى المجتمع الدولي والعالم أجمع: ما يحدث في العراق اليوم ليس خلافًا ماليًا عابرًا، بل وسيلة ضغط لإخضاع إقليم كوردستان وتشتيت إنجازاته، في الوقت الذي يواصل فيه رئيس الحكومة مسرور بارزاني نجاحاته عبر مشاريع استراتيجية مثل الطرق والجسور، مشروع “روناكي” للكهرباء، مشروع “حسابي” للتحول الرقمي، مشروع مياه أربيل، إلى جانب رسالة التعايش والسلام التي تجسدها مكونات كوردستان. إن الوقوف إلى جانب هذه التجربة الناجحة هو دعم للاستقرار والحرية في المنطقة بأسرها.

أحدث المقالات

أحدث المقالات